مكة المكرمة – خاص بـ«الجزيرة»:
تؤكد خبيرة تربوية في الطفولة المبكرة أن التربية المتوازنة لها دورٌ كبير في تنمية وصقل شخصية الطفل القوي الواثق بنفسه بعيدًا عن الإفراط والتسلط، أو التفريط بالدلال الزائد.
وفي حوار «الجزيرة «مع الدكتورة أمل بنت محمد بنونة تناولنا مواضيع التربية وحماية الأطفال من الإيذاء الجنسي باعتبارها أستاذًا مساعدًا للطفولة المبكرة في جامعة أم القرى، ومستشارة متخصصة ومدربة معتمدة في حماية الطفل من الإيذاء، ومختصة في التربية الجنسية للأطفال، وعضو في جمعيات ومنظمات أوروبية وبريطانية لباحثي الطفولة المبكرة. وقد كشفت في الحوار عن المشكلات والقضايا المتعلقة بالإيذاء والاستغلال الجنسي للأطفال، ومسؤولية التعليم، والإعلام، ودور الأسرة في ذلك.. وفيما يأتي نص الحوار:
* أطروحاتكم العلمية وأبحاثكم ودراساتكم تركز على التربية وحماية الأطفال من الإيذاء الجنسي. تُرى، هل تعتقدون أن هناك مشكلات في مجتمعنا المسلم المحافظ وراء اختياركم ذلك؟
– التربية الجنسية شاملة، والحماية من الإيذاء الجنسي جزءٌ رئيس فيها. وعلى الرغم من أن الإسلام يحث على مناقشة المواضيع الجنسية التي تحفظ الفرد والمجتمع من المشكلات إلا أن ضعف الوعي المجتمعي، وافتقار المعلومة الصحية والمتناسبة مع سن الطفل، وثقافة العيب الموجودة في مجتمعنا، وقلة الدراسات التربوية التي تتعلق بمجتمعنا المسلم والمحافظ، عوامل أدت إلى ظهور بعض المشكلات الجنسية، مثل: الإيذاء والاستغلال الجنسي للأطفال، وإدمان المشاهد الإباحية من المراهقين، وعدم الاعتزاز بالهوية الجنسية للجنسين (المثلية). ومن الخطأ أن نطلق على هذه المشكلات مصطلح (ظاهرة)؛ لأن النسب بسيطة جدًّا، ولا تقارن مع المجتمعات الأخرى.
* وضع الإسلام أسسًا وضوابط لصيانة الفرد والمجتمع على حد سواء. تُرى، من واقع دراستكم هل ترون أن مناهج التعليم ركزت على ذلك، خاصة ما يتعلق بالتربية الجنسية؟
– توجد بعض من مواضيع التربية الجنسية في المناهج التعليمية للأطفال الكبار إلا أنه – للأسف – يوجد تقصير شديد من المعلمين والمعلمات في تقديم هذه المواضيع؛ وذلك بسبب عدم تدريبهم التدريب الجيد في تقديم هذه المواضيع الحساسة التي تحتاج إلى مهارة في تقديم الموضوع، والاستجابة إلى أسئلة الطفل بطريقة مهنية وعلمية، وبأسلوب بسيط متناسب مع المستوى العمري للطفل، ويتناسب مع ثقافة المجتمع.
وأثبتت دراسة دكتوراه أن هناك حاجة شديدة إلى تقديم المزيد من الدراسات الإسلامية ذات العلاقة التي تركز على توعية الطفل. كما أن هناك نسبة عالية من الاحتياج فيما يتعلق بتدريب المعلمين والمعلمات والوالدين قبل البدء في إدخال المواضيع في المناهج التعليمية.
* وما هي السن المناسبة لتعليم الطفل الأماكن التي يمنع الاقتراب منها في جسمه؛ كي لا يتعرض لعملية الإيذاء الجنسي؟
– أثبتت الدراسات التربوية التي تعتمد على نظرية فيقوسجكي أن الطفل يتعلم منذ نعومة أظفاره ويكتسب تلقائيًّا عادات وممارسات يومية من خلال تصرفات والديه والمحيطين به، وبشكل أوضح عندما يكون المربي واعيًا، ويتصرف بشكل سليم داخل المنزل، مثل: ستر عورة الطفل، عدم تقبيل فم الطفل، وإغلاق دورة المياه عند الدخول.. ومن هنا يبدأ الطفل يتعلم هذه المبادئ الأساسية للحماية. وعندما يكبر قليلاً، ويبدأ في الكلام، يتعلم أماكن عورة الجسد حسبما أثبتت الدراسات التربوية، وتكون من الصدر إلى تحت الركبتين، وهي وفق ما ذُكرت في تعاليم ديننا الإسلامي منذ قرون؛ إذ يتعلم تغطيتها، وعدم السماح لأي شخص بالنظر إليها، أو لمسها، أو تصويرها. والأمر الآخر الذي لا يقل أهمية عن تغطية العورة هو التعبير عن المشاعر، فإذا أجاد الطفل القدرة على التعبير، سواء عن مشاعره أو المواقف التي تحدث له، يستطيع بكل سهولة التبليغ، وطلب المساعدة من الوالدين والمقربين في حال حدوث أي أمر غير مريح له يتعلق مباشرة بعورة الجسد، أو في حال حدوث إيذاء غير مباشر، مثل رؤية أفلام أو صور جنسية غير لائقة ومخالفة للقيم.
* وهل تعتقدون أن عدم تلبية طلبات الطفل من قِبل الأسرة قد يجعله صيدًا سهلاً للمتحرشين الذين قد يلبون له طلباته، وتحقيقها مقابل التحرش لا سمح الله؟
– بالتأكيد التربية المتوازنة لها دور كبير في تنمية وصقل شخصية الطفل القوي الواثق بنفسه بعيدًا عن الإفراط والتسلط، أو التفريط بالدلال الزائد؛ لأنها تجعل الطفل ضعيف الشخصية؛ ليس لديه مهارات الحماية اللازمة عن نفسه؛ وبالتالي يكون فريسة سهلة للمعتدين نتيجة للدلال والإهمال والعنف الأسري. كما نجد الطفل ضعيف الشخصية ينقاد بسهولة من المعتدي، إما إجبارًا وكرهًا، أو طوعًا لإشباع طلباته الأساسية غير المتوافرة من الوالدين نتيجة للإهمال أو التسلط.
* وكيف نحمي أطفالنا من المعتدين؟
– من الضرورة أن نبدأ بأنفسنا كوالدين بتنمية المهارات المعرفية لدينا، وطريقة التواصل الجيد مع الطفل، التي تتضمن احتواءه، وتلبية حاجاته الأساسية من اهتمام ورعاية، وتوفير الحب والحنان بشكل متوازن، يجمع بين الحب والحزم على السلوك الخاطئ، والابتعاد التام عن العقاب أو العنف النفسي والجسدي. ولفتح باب الحوار أهمية كبيرة لحماية الطفل، والتشديد على الإنصات له داخل المنزل؛ لأنه يساعد في كسر الحواجز التي تعيق الإبلاغ عن أي إساءة تحدث لا سمح الله.
* وما المعلومات المناسبة التي يمكن تقديمها للأطفال لإكسابهم الحماية الشخصية؟
– علينا أن نوضح للطفل قوانين خصوصية المناطق الخاصة، ومن يكشف أو يلمس هذه المناطق لا بد عليه أن يخبرنا ويطلب المساعدة، وأن نتحدث معه، ونعلمه بأنه لا يوجد سر نخبئه عن الأم أو الأب والمعلم، وعلينا مشاركة المواضيع التي أزعجتنا معهم. كما يجب أن نساعد الطفل ليفهم الفرق بين اللمسة الجيدة واللمسة المزعجة عن طريق تمارين اللمس وأنواع المواد الموجودة حولنا، مثلاً: (خشب، إسفنج، بارد، ساخن، مؤلم، مريح…). وهذا التمرين يساعد الطفل على التعبير والتمييز مستقبلاً، مع الإيضاح للطفل كيفية الرفض لأي أمر مزعج مخيف أو مؤلم في حياته اليومية بقول (لا – وقف) بصوت مرتفع. وعلينا أن نسمي للطفل الأشخاص الثقة والمعينين له في حياته اليومية في المنزل أو المدرسة، ونشدد على التمييز بين المواقف الآمنة والمواقف الخطيرة، واستغلال المواقف، سواء في الحياة اليومية أو المشاهد التليفزيونية؛ لفتح الحوار، وتقديم التوجيهات بطريقة غير مباشرة بدلاً من التخويف من الآخرين، وإثارة الخوف من المجتمع.
* وما أبرز العلامات التي من خلالها تعرف الأسرة تعرُّض ابنهم لعملية إيذاء جنسي؟
– الأسرة الواعية تستطيع معرفة التغيرات المفاجئة التي تحدث على طفلها بكل سهولة، مثلاً:
لا يستطيع الجلوس، ويشعر بألم في المناطق الخاصة، وظهور نقاط من الدم أو التهاب في المناطق الخاصة، والخوف والذعر من الآخرين أو من شخص محدد، وكذلك السرحان والبكاء بدون أي سبب ظاهر، والإحباط والاكتئاب، وعدم الرغبة في ممارسة حياته كما السابق، وعند سؤاله يتعمد تغيير الموضوع خوفًا من العقاب، وشراء حاجيات جديدة أو هدايا مجهولة بلا أي سبب، وظهور بعض السلوكيات أو الإيحاءات الجنسية غير اللائقة.