أقامت مكتبة الملك عبدالعزيز العامة ندوة بعنوان “المملكة العربية السعودية وجمهورية الصين الشعبية.. تاريخ حافل وآفاق مستقبلية مشرقة”، بمناسبة مرور ثلاثين عاماً على أقامة العلاقات الدبلوماسية بين المملكة والصين.
ونوه المشاركون في الندوة، بعمق العلاقات بين البلدين وجذورها التاريخية الممتدة لأكثر من ألفي عام، مؤكدين أن العلاقات تشهد اليوم تطورا كبيرًا في مختلف المجالات،وفرص التعاون بين البلدين الصديقين واعدة.
فقد أكد معالي المشرف العام على المكتبة الأستاذ فيصل بن عبد الرحمن بن معمر أن العلاقات بين الحضارتين العربية والصينية قائمة منذ فجر التاريخ عبر طريق الحرير، وأنتجت مراكز للإشعاع الثقافي وعملت على إرساء قواعد من التفاهم وصولاً إلى هذه المرحلة الراهنة التي تدعو للتفاؤل بمستقبل مشرق.
وأشار ابن معمر إلى ما أكد عليه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله – في كلمته التي ألقاها خلال زيارته لجمهورية الصين عام 2017 باعتزازه بالعلاقات الثنائية والتعاون المشترك بين البلدين،وما يمر به البلدان من تحولات اقتصادية، وما تقوم به اللجنة المشتركة والتعاون الاستراتيجي بين البلدين للإسهام في تحقيق الأمن والسلام الدوليين والشراكة الاستراتيجية الكاملة خاصة في العلاقات الاقتصادية والسياسية والثقافية، وتوسيع الشراكة الاقتصادية بما يعزز من تدعيم رؤية المملكة 2030 والرؤية الصينية ” الحزام والطريق “.
وأوضح أن الزيارات المتبادلة بين البلدين تعمل على تعميق العلاقة بينهما، فهناك مصالح عميقة تربط الشعبين السعودي والصيني، وهناك تعاون على مستوى الجانب الحضاري والثقافي، للانطلاق لآفاق أوسع وهو ما تمثله رؤية المملكة 2030، خاصة وأن المملكة تمثل العمق العربي والإسلامي.
وبين ابن معمر أن مكتبة الملك عبدالعزيز العامة قدمت، لجامعة بكين وجامعة شنغهاي، أربع مكتبات متخصصة لتعليم العربية لغير الناطقين بها، وتواصلاً لدعم اللغة العربية صدرت الموافقة على مشاريع ومذكرات تفاهم بين المكتبة والجامعات الصينية، ثم توجت بافتتاح فرع للمكتبة بجامعة بكين من أجل تعميق الشراكة الثقافية والمقومات الإنسانية بين البلدين، واستغرق بناء المكتبة 22 شهرا وضمت 3 ملايين كتاب، كما ضمت مركزاً للدراسات العربية، ومركزا للمخطوطات، وسعت إلى تأسيس فعاليات ثقافية مشتركة بين البلدين، وتوج ذلك بزيارة خادم الحرمين الشريفين لجمهورية الصين وتدشينه – أيده الله- المكتبة في العام 2017 وكان يوما تاريخيا في العلاقات السعودية الصينية.
ولفت المشرف على المكتبة، إلى أنه أنشئت بوابة إلكترونية للعلاقات مع الصين، أثناء زيارة سمو ولي العهد – حفظه الله – للصين عام 2019 وأعلن صاحب السمو الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان وزير الثقافة عن جائزة الأمير محمد بن سلمان للتعاون الثقافي السعودي الصيني، وأصبحت من الأمور التي نفخر بها أن تكون مكتبة الملك عبد العزيز العامة مقرا لهذه الجائزة، مشيراً إلى توجيه سمو ولي العهد بإدراج اللغة الصينية كمقرر في مدارس المملكة.
وقال : إن العلاقات السعودية الصينية عبرت تحت مظلة توجيهات سامية وهي تتطور بشكل كبير وفي إطار التعاون الثقافي ومن خلال اهتمام وزارة الثقافة نرى مشاريع قادمة تلقى كل الدعم والرعاية “.
من جهته أكد معالي نائب وزير الثقافة الأستاذ حامد بن محمد فايز، أن هناك تقاربا وتعاونا بين المملكة والصين على الأصعدة كافة، وأن العلاقات التي تمتد لأكثر من ألفي عام بنت جسوراً راسخة بين الجزيرة العربية والصين عبر التجارة وتقريب الحضارتين العريقتين، وهو ما يمثل شريانا حيويا للثقافة، وقال: هذا يتم اليوم عبر طريقين هما: رؤية المملكة 2030 ومبادرة الصين: الحزام والطريق، وما ستحدثانه من أثر كبير على قارتنا والعالم أجمع.
وقال : “إن رؤية 2030 نبعت عبر قراءة عميقة للتاريخ ونظرة استشرافية طموحة للمستقبل من لدن حكومة المملكة، بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وسمو ولي عهده الأمين – حفظهما الله -، حيث جاءت الرؤية متناغمة مع طموحات المواطن السعودي وتطلعاته، مستجيبة بشجاعة وثقة لكل تحديات عالمنا المعاصر بما يعود علينا بالخير والنماء “.
وأكد أن 2030 برؤيتها الثلاثية: المجتمع الحيوي، والاقتصاد المزدهر، والوطن الطموح، تؤسس لثلاثية سعودية بوصفها تشكل العمق العربي، والإسلامي، والريادة الاستثمارية ومحور ربط القارات الثلاث.
وقال : لقد ألهمتنا الرؤية لنقدم في أول وزارة للثقافة السعودية رؤيتنا الثلاثية الخاصة حيث ترتكز الثقافة على نمط حياة للأفراد، وتشكل رافدا للنمو الاقتصادي، ونموا لإثراء الحوار الثقافي.
بدوره تحدث سفير جمهورية الصين الشعبية لدى المملكة تشن وي تشينغ، عن العلاقات الثقافية والتاريخية بين البلدين،والعلاقات الدبلوماسية التي بدأت بشكل رسمي وفتحت علاقات ثنائية متطورة.
وقال: “لا توجد مسافة بين الأصدقاء حتى لو فصلت بينهما آلاف الأميال وهناك تواصل بين الأمة العربية والأمة الصينية، على طريق الحرير القديم قبل أكثر من ألفي عام ومنذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية الصين الشعبية في 21 يوليو 1990 وهناك مصالح جوهرية بين البلدين وقد تطورت العلاقات الثنائية بشكل كبير “.
وأضاف ” هناك احترام متبادل حيث حقق البلدان إنجازات مشهودة وأصبحا نموذجا للعلاقات بين الدول،ففي عام 2016 زار الرئيس الصيني وأعلن مع خادم الحرمين الشريفين إقامة شراكة بين البلدين وأنشأ الجانبان اللجنة المشتركة رفيعة المستوى وعقدت 3 اجتماعات حتى الآن، وأضافت زخما كبيرا للعلاقات بين المملكة والصين، وهناك شراكة بين البلدين لمواجهة كورونا. وأوضح السفير أن الصين مستعدة لانتعاش اقتصادي للمملكة والعالم. وأن هناك 50 جامعة صينية تدرس اللغة العربية، كما فتحت مكتبة الملك عبد العزيز العامة فرعها بجامعة بكين في 2017.
وعد السفير الصيني المملكة الدولة العربية الوحيدة في مجموعة الـ 20 التي لها تأثير عالمي، معرباً عن أمله في تعميق العلاقات بين البلدين والشراكة الاستراتيجية بينها ودعم بعضهما البعض في مصالحهما الأساسية.
أما عميد كلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة الملك سعود سابقا الدكتور صالح بن عبد الرحمن المانع، تحدث عن العلاقات السعودية الصينية، والتجارة بين الشركات الصينية والسعودية، مبيناً أن الزيارات المتبادلة ما بين 2016 إلى 2019 أدت لزيادة التبادل التجاري بين المملكة والصين بنسبة 32 % ووقعت 35 اتفاقية تجارية مشتركة بينها.
واستعرض الدكتور المانع عددا من الاتفاقيات التي تمت بين البلدين في مجال البتروكيماويات والاستثمار والنقل البحري والنفط، مشيراً إلى أن عدد من لاستثمارات والاتفاقيات تبلغ قيمتها حوالي 65 مليار دولار ووصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 73 مليار سنويا، فيما تستحوذ الصين على 11% من الإنتاج النفطي السعودي، وتنظر المملكة لتطوير العلاقات مع الصين سياسيا واقتصاديا.
وخلال الندوة التي أدارها عضو مجلس إدارة المكتبة الدكتور عبدالله بن صالح الوشمي أكد عدد من الحضور أثناء مداخلاتهم أن كلا البلدين يعدان موطنا للحضارات والثقافات ودعوا إلى زيادة الزيارات الميدانية للمملكة من قبل الشباب الصيني،مؤكدين أن جائزة سمو الأمير محمد بن سلمان للتعاون الثقافي بين المملكة والصين سيكون لها أثرها الكبير في تنمية التواصل الثقافي بين البلدين، كما دعوا إلى المزيد من التعاون بين المراكز البحثية في كل من المملكة والصين ودعم مراكز البحث والمؤسسات الفكرية.