الجزيرة – أسامة الزيني
في الأوقات العصيبة لا تكفي جهود الحكومات، وتحتاج الأوطان إلى وقفة الشعوب إلى جانب أوطانها، فالأوطان أمانة الجميع، لأنها أمان الجميع، ومسؤولية الجميع، لأنها مستقبل الجميع.
ومن أجل أمان الجميع ومستقبلهم، اتخذت حكومة المملكة قرارات ضرورية لمنع الكساد في البلاد، في التأخر في اتخاذ مثل هذه القرارات التي قد تكون مؤلمة، لكنه لازمة في هذه المرحلة تحديداً، لحماية المملكة من الدخول في كساد طويل ينعكس على النمو الذي قد ينعدم، و يتمثل في ارتفاع نسب البطالة لأرقام غير مسبوقه؛ ما يؤدي إلى تبخر الإنجازات التي تحققت خلال السنوات الخمس الماضية، مثل ارتفاع نسبة تملك المواطنين في الإسكان من %43 الى %57، وتمكن الاقتصاد من إيجاد وظائف لأبناء وبنات الوطن، ونمو المنشآت الصغيرة والمتوسطة %23.
ولأن القرارات الصعبة تحافظ على القوة المالية للدولة، فاتخاذ قرارات صعبة ومؤلمة الآن سيسهم في المحافظة على القوة المالية للدولة و مدخراتها، ما يعطي الفرصة للعوده لرحلة النمو و التنمية مرة أخرى بشكل سريع وتحقيق مكاسب أكبر بدلاً من الدخول في كساد طويل وهو الأمر الذي يهدد العالم.
وتعد قرارات المملكة الاقتصادية الأقل حدة من بين مثيلاتها حول العالم، فمن الطبيعي أن ترافق كل أزمة اقتصادية عدد من القرارات والإجراءات تبعًا لحجمها ومستوى حدتها، ورغم ضخامة التداعيات التي خلفتها جائحة كورونا إلا أن السعودية اختارت أخفها ضررًا على مواطنيها.
وكانت الحكومة أقرت بدل غلاء المعيشة بصفة مؤقتة في وقت كانت مستويات التضخم فيه عالية ومن أجل تعود الناس على نمط استهلاكي أمثل ونظراً للأحوال الاقتصادية في العالم وتراجع مستويات المعيشة فقد انتفى الغرض من البدل.
وكان رفع نسبة القيمة المضافة من 5% إلى 15% أحد أهم الخيارات التي ارتأتها الحكومة لزيادة مستوى إيراداتها، ذلك لكون أن السوق السعودية مفتوحة وتتعدد فيها خيارات السلع بكافة أشكالها وبإمكان المواطن اختيار ما يشاء بما يتناسب مع رغباته وطريقة إنفاقه.
ومن المهم أن يستشعر المواطنون في هذه المرحلة أن العالم كله يعيش في أزمة اقتصادية، ولكون أن السعودية جزءًا من العالم فمن الطبيعي أن تتخذ عدداً من الخطوات والإجراءات التي تعينها على مواجهتها والتعامل معها للحفاظ على تماسك الاقتصاد في ظل الظروف الحالية وانخفاض أسعار البترول في السوق العالمية.
والقرارات الاقتصادية، بما تضمنته من تخفيض ميزانيات مبادرات برامج تحقيق الرؤية و المشاريع الكبرى بحوالي 30 مليار ريال تأتي كإجراء طبيعي؛ ضمن خطط تخفيف التداعيات التي خلفتها أزمة جائحة فيروس كورونا المستجد، وبالرغم من هذا التخفيض إلا أن العمل عليها سيستمر دون توقف.
ومرت المملكة وعلى مدار تاريخها، بمنعطفات اقتصادية بالغة الدقة، ومع ذلك لم تتأخر يومًا عن الوفاء بالتزاماتها المادية تجاه مواطنيها الذين كان لهم كذلك دورًا مسؤولًا في الأوقات التي تستدعي فيها وقفتهم إلى جانبها.
ورغم الأزمات التي مرت على المملكة خلال السنوات والعقود الماضية، إلا أن الحكومة ظلت ملتزمة بالوفاء برواتب وبدلات موظفيها، ولم يحدث أن تأخرت عن صرفها في موعدها المحدد، وهاهم جميع الموظفين يستلمون رواتبهم كاملة بالرغم من عدم ذهابهم لأعمالهم.
ويعد بدل غلاء المعيشة الذي طالته القرارات الاقتصادية الجديدة، دعمًا إضافيًا على رواتب المواطنين التي لن تطالها أية تغييرات، ويأتي توقيته في ظرف يمر فيه الاقتصاد العالمي في مرحلة تقترب من الكساد.
ومنذ بدء جائحة فيروس كورونا، تحملت الدولة العديد من الآثار الاقتصادية الناجمة عن ذلك، ورصدت الدولة مبلغ 177 مليار ريال لتعزيز قطاع الصحة، وتخفيف أثر الجائحة على القطاع الخاص والمحافظة على رواتب الموظفين فيه.
وتعوّل الدولة بشكل كبير على تفهم مواطنيها لقراراتها، وخصوصًا في ظل الأزمة الحالية، عرفانًا منهم للتضحيات والقرارات الشجاعة والمصيرية التي قامت بها منذ اليوم الأول في جهود مكافحة فيروس كورونا المستجد.
وتجدر الإشارة إلى أن القرارات الاقتصادية راعت عدم تأثر الأسر الضمانية والمستفيدين من شبكة الحماية الاجتماعية بالقرارات، حيث تولي الدولة هذه الفئات جل اهتمامها وتحرص بشدة على ألا تطالهم أية تأثيرات.
وكان من الممكن أن تكون المملكة في وضع اقتصادي أصعب مع هذه الأزمة لولا الإصلاحات الاقتصادية التي بدأها ولي العهد منذ العام 2015، بما فيها تنويع مصادر الدخل عبر تنمية الإيرادات غير النفطية وتقليل الاعتماد على البترول والتركيز على الاستثمارات وهو ما جنّب البلاد هذه الأيام سيناريو كارثي كان ممكن أن يصل حد الإفلاس.
وتعد مواصلة الإصلاحات الاقتصادية أولوية قصوى بالنسبة للدولة، فعلى الرغم من عمق الأزمة الحالية التي خلفتها جائحة فيروس كورونا المستجد على اقتصادها واقتصاد العالم، إلا أنه لا خيار أمامها سوى مواصلة الإصلاحات بجدية كاملة والمضي في معالجة الأزمة في إطار مؤسسي ومحترف.
وعلى الرغم من أن كل التوقعات، بما فيها توقع وزير المالية بأن الدولة قد تلجأ إلى اتخاذ قرارات اقتصادية مؤلمة، إلا أنها على أرض الواقع خالفت كل ذلك، إذ لم تلجأ إلى خفض علاوات أو رواتب الموظفين كما كان يقترح كثير من الاقتصاديين وكما كانت تتوقع الصحف الأجنبية كذلك؛ بل عالجت الأزمة بحكمة لا تضر المواطن ولا تؤثر على مسار التنمية.
أيضًا من شأن تشكيل لجنة وزارية لدراسة المزايا المالية لمن لايخضعون لنظام الخدمة المدنية أن يخفف من الإنفاق على الهيئات والمؤسسات والبرامج الحكومية مما يساهم في تحمل جميع الموظفين للإجراءات المتخذة.