أدت جائحة فيروس كورونا إلى نشاط غير مسبوق في الخطوط الساخنة للطوارئ في الولايات المتحدة ، وقد أعتتبر باحثون أن الجائحة هي وضع غير مسبوق أيضا ولذلك يختلف أسلوب التعاطي معه.
تصف سارة لوي ، عالمة نفس وأستاذة مساعدة في كلية ييل للصحة العامة ، الفيروس التاجي بأنه “كارثة بطيئة الحركة” مع تداعيات واسعة النطاق ومستمرة على الصحة النفسية. وقالت لوي ، التي تدرس آثار الكوارث ، إنها قلقة من أن بعض الناس سيتأثرون بشكل متغاير، وخاصة العاملين في المجال الطبي والمرضى والأشخاص الذين يعانون من أمراض عقلية سابقة وأي شخص يواجه تحديات اقتصادية مشيرة إلى أنه وبحسب الكوارث السابقة فأن الضغط المالي طويل الأجل يميل إلى الارتباط بالاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة.
وتربط عشرات الدراسات الأعباء النفسية بالعزلة والأزمات، بما في ذلك الأوبئة. في إحدى الدراسات حول تفشي متلازمة الالتهاب الرئوي الحاد في هونج كونج عام 2003 ، قال ما يقرب من نصف السكان الذين شملهم الاستطلاع إن التجربة أثرت على صحتهم العقلية وأظهر 16% علامات اضطراب ما بعد الصدمة بعد ستة أشهر من انتهاء الوباء.
ولأسابيع طويلة استحوذت أخبار ومخاطر كورونا على الكثير من تفكيرنا واحتلت واجهة الأخبار والصفحة الأولى من كل صحيفة تقريبا قصص عن وباء الفيروس التاجي كما تتابعت التغطية المتتالية لأحدث حصيلة القتلى في البرامج الإذاعية والتلفزيونية وامتلآت منصات وسائل التواصل الاجتماعي بالإحصاءات المخيفة أو النصائح العملية أو الدعابة.
وذكر كثيرون كيف أدى هذا القصف الإخباري المستمر إلى زيادة القلق، وظهور آثار فورية على الصحة النفسية والعقلية. ولكن يرى خبراء أن يؤدي خطر العدوى إلى تحريف استجاباتنا النفسية للتفاعلات العادية ، مما يدفعنا إلى التصرف بطرق غير متوقعة والشعور المستمر بالتهديد قد يكون له آثار أخرى أكثر خبثًا على نفسياتنا !
وقد تقودنا المخاوف من العدوى إلى أن نصبح أكثر تشددا وتعصبا (قبليًا) ، وأقل قبولًا للاختلاف كما قد تصبح أحكامنا الأخلاقية أكثر صرامة ومواقفنا الاجتماعية أكثر تحفظًا عند النظر لقضايا مثل الهجرة أو المساواة وأيضا انتماءاتنا السياسية. ويؤدي الإحساس بخطر العدوى إلى تحريف استجاباتنا النفسية للتفاعلات العادية ، مما يدفعنا إلى التصرف بطرق غير متوقعة.
وتبين بعض التقارير الأخيرة زيادة كره الأجانب والعنصرية بالفعل كأول علامة على ذلك، ولكن إذا كانت توقعات البحث العلمي صحيحة ، فقد تعكس تحولات اجتماعية ونفسية أعمق بكثير.
كانت الأمراض المعدية تعمل على تشكيل تطورنا لملايين السنين ، وتغيير علم النفس لدينا وكذلك علم وظائف الأعضاء فأي شيء يقلل من خطر العدوى في المقام الأول يعتبر ميزة تستحق الإحتفاء بها ولهذا السبب ، تطور لدينا مجموعة من الاستجابات النفسية اللاواعية – والتي يطلق عليها مارك شالر من جامعة كولومبيا البريطانية في فانكوفر: “جهاز المناعة السلوكي” – لتكون بمثابة خط الدفاع الأول لتقليل الاتصال مع مسببات الأمراض المحتملة.
وتعد استجابة “الاشمئزاز” واحدة من أكثر مكونات نظام المناعة السلوكية وضوحًا فعندما نتجنب أشياء ذات رائحة كريهة أو طعام نعتقد أنه سيء، فإننا نحاول بشكل غريزي الابتعاد عن العدوى المحتملة. و تشير الأبحاث إلى أننا نميل أيضًا إلى تذكر المواد التي تسبب الاشمئزاز بقوة أكبر ، مما يسمح لنا بتذكر (وتجنب) المواقف التي قد تعرضنا لخطر الإصابة في وقت لاحق.
نظرًا لأن البشر هم من الأنواع الاجتماعية التي تطورت للعيش في مجموعات كبيرة ، فقد قام نظام المناعة السلوكي أيضًا بتعديل تفاعلاتنا مع الناس لتقليل انتشار المرض، مما أدى إلى نوع من التباعد الاجتماعي الغريزي غير ذلك المطلوب أو المفروض حيث يعمل جهاز المناعة السلوكي وفقًا لمنطق” الاحتياط أفضل من الندم “. وهذا يعني أن ردود الأفعال غالبًا ما تكون في غير محلها، وقد يتم شحنها ةتأثرها بمعلومات غير ذات صلة – مما يغير عملية اتخاذ القرار الأخلاقي وآراءنا السياسية بشأن القضايا التي لا علاقة لها بالتهديد الحالي!
فلماذا أصبحنا أكثر تحفزا من الناحية الأخلاقية مع تفشي المرض؟ أظهرت الدراسات أنه عندما نخشى العدوى ، فإننا نميل إلى أن نكون أكثر قسوة عند الحكم على خرق الولاءات (مثل الموظف الذي يسيء شركته مثلا ) أو عندما نرى شخصًا لا يحترم السلطة (رجال القانون و القضاة ). هذه الحوادث لن تؤثر بشكل مباشر على نشر المرض بالطبع ، ولكن الاستهزاء بالقوانين والقواعد يعطي مؤشرا إلى أنهم قد يخرقون قواعد أخرى أكثر صلة بموضوع العدوى وتجنب المرض ووفقًا للأبحاث ، فإن هؤلاء الأشخاص سيكونون بالفعل أكثر احترامًا للمعايير الاجتماعية وأكثرعدم ثقة في الغرباء من الشخص العادي ، كما أن التهديد المتزايد بالمرض سيؤدي ببساطة إلى تشدد مواقفهم ويمكن أن يؤدي إلى التعصب والعنصرية وكراهية الأجانب.