تدفقت على الانترنت تسجيلات فيديو تصور مشاهد مفزعة لمحتجين ينزفون وحواجز طرق مشتعلة وقناصة على الأسطح بعد أن رفعت ايران التعتيم التام على الانترنت، لتظهر حملة القمع التي يصفها محللون بأنها الأكثر دموية التي يشنها النظام.
وصرح كامران متين، المحاضر البارز في العلاقات الدولية بجامعة ساسكس في بريطانيا لوكالة فرانس برس في نيقوسيا، ان هذا القمع “كان أشد قسوة” مما كان عليه خلال الاحتجاجات السابقة في إيران.
واضاف “جميع مقاطع الفيديو التي شاهدتها قبل أن يتم إغلاق الإنترنت تظهر أن الفترة ما بين تجمع الناس وإطلاق النار +بهدف القتل+ كانت قصيرة جدا”.
واندلعت الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد في 15 تشرين الثاني/نوفمبر بسبب قرار السلطات رفع أسعار الوقود كجزء من محاولة تخفيف الضغوط على الاقتصاد المتضرر من العقوبات المفروضة على طهران.
وقامت السلطات بوقف الانترنت بحسب ما ذكر موقع “نيت بلوكس” الذي يرصد انقطاعات الانترنت، ما اخفى عن العالم ما جرى خلال الاحتجاجات.
دماء في الشارع
مع استعادة الإنترنت تدريجياً بعد أسبوع وتصريح المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي بأنه تم إحباط مؤامرة “خطيرة للغاية”، بدأت صورة الأحداث تتظهر تدريجياً.
وتظهر العديد من مقاطع الفيديو من بعض المناطق التي اندلعت فيها التظاهرات ويقدر عددها بنحو 100 منطقة، قوات الأمن تطلق النار من مسافة قريبة على المتظاهرين العزل أو تضربهم بالهراوات.
مقطع فيديو جديد يوثق تعمُّد قوات #الحرس_الثوري إطلاق النار على المتظاهرين الذين لجؤوا إلى هور معشور. كانت صحيفة "نيويورك تايمز" قد نقلت عن مصادر محلية، أن قوات الحرس الثوري قتلت ما لا يقل عن 100 من المحتجين في مدينة #معشور قرب الأهواز، جنوب غربي #إيران. pic.twitter.com/Oz5xhkrAFX
— إيران إنترناشيونال-عربي (@IranIntl_Ar) December 3, 2019
وتظهر بعض اللقطات غير الواضحة اشخاصا ينزفون وهم ملقون على الأرض وهم يصرخون بفزع بينما يهرع آخرون لمساعدتهم. وتُسمع ايضا أصوات حشود تطلق شعارات ضد الأجهزة الأمنية والنخبة الحاكمة وتعبر عن احباطها بسبب التضخم والبطالة. ويقول مواطن ايراني يعيش في الخارج وكان يزور ايران اثناء الاحتجاجات وطلب عدم كشف هويته، ان “ايران لم تشعر بيأس وحزن مثل هذا في تاريخها”.
واحرقت متاجر وبنوك ومحطات وقود وعربات شرطة، بينما اغلقت طرق رئيسية بحاويات قمامة واطارات مشتعلة. وفي احد تسجيلات الفيديو من حي شرق طهران تحققت منه منظمة العفو الدولية التي مقرها لندن، تهرع مجموعة من رجال الأمن من وراء مبنى وتطلق النار على متظاهرين في الشارع.
ويظهر تسجيل آخر العديد من المسلحين في زي أسود يطلقون النار من على سطح مبنى حكومي في جافانرود غرب طهران في محافظة كرمنشاه. وقال متين ان المناطق الغربية التي يسكنها الاكراد ومحافظة كازخستان التي تسكنها غالبية من الاتنية العربية كانت مواقع أولى للاحتجاجات.
العديد من التساؤلات
قالت راحة بحريني الباحثة في منظمة العفو الدولية في مقال نشر في صحيفة نيويورك تايمز الاثنين إن السلطات استخدمت القوة المفرطة في الماضي ضد المتظاهرين المسالمين. وأضافت “ما رأيناه هذه المرة هو استخدام غير مسبوق للقوة الفتاكة ضد المتظاهرين العزل”.
وذكرت منظمة العفو الدولية انه يعتقد أن 208 اشخاص قتلوا في الاحتجاجات، ويتوقع أن تكون الحصيلة أكبر بكثير. ورفضت السلطة القضائية الايرانية حصيلة القتلى واعتبرتها “محض أكاذيب”.
وقالت السلطات إن خمسة أشخاص قتلوا، وانها اعتقلت أكثر من 500 شخص بينه نحو 180 من “زعماء العصابات”، وألقت باللوم في الاضطرابات على “البلطجية” المدعومين من أعداء خارجيين بينهم اعداؤها اللدودون الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية. ورغم عمليات التدقيق، إلا أن رسم صورة كاملة لما حدث لا يزال أمراً صعباً.
صرح نيك ووترز من مجموعة “بيلنغكات” للتقصي لوكالة فرانس برس انه من المحتمل أن يكون عدد من التسجيلات من احتجاجات سابقة. وقال “في الوقت الحالي، هناك مجموعة كبيرة من المضامين التي يتم طرحها في الوقت نفسه، ما يجعل التحقق أكثر صعوبة”.
وذكرت ناظلة فتحي مؤلفة كتاب “الحرب الوحيدة: قصة امرأة واحدة في الصراع من أجل إيران الحديثة” “نحن لا نرى الصورة كاملة”. وأضافت “أنت فقط ترى ما أمام الكاميرا، لذلك من الصعب حقًا تحديد الأرقام: كم عدد الأشخاص الموجودين هناك، وكيف تم تحريضهم… ماذا لو كانت مقاطع فيديو قديمة. هناك العديد من التساؤلات”.
مصادر محلية من شادكان-فلاحية (جنوب غربي إيران) تقول إن القوات الأمنية استخدمت مدرسة "شاهد نجمة" كمقر لاعتقال المحتجين.#طهران #احتجاجات_إيران pic.twitter.com/6FQes44XAr
— إيران إنترناشيونال-عربي (@IranIntl_Ar) December 1, 2019
“هل تسمعوننا؟”
ذكرت منظمة العفو الدولية أن “عائلات الضحايا تعرضت للتهديد وتم تحذيرها من التحدث للإعلام”. ولكن بعض العائلات لم تأبه بالتحذير، بينها عائلة بويا بختياري، احد الأشخاص الذين أكدت المنظمة مقتلهم. وأرسلت العائلة تسجيلات فيديو الى الناشط المقيم في الولايات المتحدة ماسيح علي نجاد.
وفي التسجيل يكشف شخص ما جثة بختياري والمكان الذي أصيب فيه بعيار ناري في الرأس. ولكن بالنسبة للعديد من العائلات فإن الخوف من الانتقام يمنعها من الحديث. وتردد أن الصحافي محمد مساعد اعتقل بعد التفافه على حظر الانترنت وكتب تغريدة “مرحبا أيها العالم الحر. لقد استخدمت 42 طريقة مختلفة لكتابة هذا! ملايين الايرانيين منقطعون عن الانترنت. هل تسمعوننا؟”.
وقال كافيه ازارهوش الباحث البارز في “سمول ميديا” التي ترصد الوصول إلى المعلومات والحقوق الرقمية في ايران، ان العديد من الايرانيين خائفون على الأرجح من نشر تسجيلات الفيديو مباشرة ويختارون بدلا من ذلك ارسالها الى الصحافيين والنشطاء في الخارج.
وأضاف “مؤسسة صنع القرار أدركت أنه لا يمكن التحكم في كيفية استخدام الأشخاص للانترنت بمجرد التحكم في عملية قطعها أو توفيرها، يجب أن يكون هناك عامل التخويف من استخدام الانترنت”.