من رحم المعاناة يولد الأمل ، ومن قلب المأساة يولد الإبداع ، ولربما يحدث للإنسان ما يكره ، ليجده في المستقبل قد كان خيرًا ساقهُ الله إليه ، مصداقًا للآية الكريمة “فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرا”.. لم يكن يتوقع رجل الأعمال الناجح “أحمد المحيسني” في سن الخامسة عشر، وهو ذاهبٌ بوالدته للمدينة المنورة، أنّ حادث سيرٍ عارض سيفتح له باب النجاح على مصراعيه ؛ وأن تلف السيارة سيؤسس فيما بعد لمجموعةٍ قابضة باتت مضرب المثل في التوسع والتنوع والنجاح.
العصامية سلوكٌ منذ الصغر
تبدأ الحكاية عندما فاقت تكاليف إصلاح السيارة قدرات طالب الثانوي المادية، ليعقد المحيسني في سن الخامسة عشرة، اتفاقًا مع صاحب ورشة الصيانة بالعمل لديهم مدة شهر مقابل خفض التكاليف، وهذا ماحدث .. لتبدأ عينه في التأمل، وعقلهُ في التعلم، ما دعى صاحب الورشة لطلب تمديد العمل لديه ثلاثة أشهر أخرى، قسّمها المحيسني بين الدراسة والعمل، ليكتسب من الورشة مهاراتٍ عديدة ويدرس احتياجات العملاء والسوق ، وتلمع في الذهن فكرته الأولى: امتلاك “ورشة صيانة سيارات” كان تمويلها الأساسي بيع سيارته .
“بداية رحلة النجاح”
اهتم المحيسني بتطوير ورشته الخاصة بعد اكتشافه حاجة السوق إليها، فجعلها من أهم مراكز صيانة السيارات ومشروعًا رائدًا بإدرارٍ ربحي مستمر، وذلك بفضل إدارة نوعية وقوية متخصصة، ليتوسع المشروع حتى وصل لأكثر من ٤٢ فرعًا خلال ١٨ عام في مختلف مدن المملكة تحت مسمى “دوكس لصيانة السيارات” .. نجاحٌ أغراه في تكريس كل وقته للعمل على حساب الدراسة، لكن وقفة ونصيحة التربويّ مدير مدرسته كانت ثمينة: “سنمنحك ساعات مرنة ونكون من عملائك لكن إياك والتوقف عن التعليم” .. وهذا ما حدث ؛ ليتواصل النجاح العملي والإيرادات والتوسع ، ويتواصل النجاح العلمي بدورات تدريبية في مجالات المال والأعمال، وإتقان اللغة الانجليزية بتعلمها في أمريكا وبريطانيا، والتخصص الجامعي في إدارة الأعمال .
” العقار فكرةٌ ثانية وشغفٌ أوّل “
رغم النجاح القوي لمشروعه الأول الذي اكتشفه مصادفةً بعد حادث السير في صباه، ظل رائد الأعمال المحيسني يتوق لشغفه الحقيقي وهو إدارة الأملاك العقارية وتسويقها، لم يكن سوق العقار حينها يُدار باحترافية، وظلت الذهنية التقليدية مسيطرة، وتلمّس الحسيني بحصافته ودراسته للمجال والإحتياج نواقص كثيرة في الخدمات كالتعاقد مع المستأجرين والتحصيل وصيانة العقار وإدارة الأملاك باحترافية.. لتبدأ في ٢٠٠٩ قصة نجاحٍ جديدة تكوّن رأس المال فيها من نجاح الشركة الأولى، مؤسسًا شركته العقارية في الرياض ثم في القصيم، حتى بات لها ٦ فروع أخرى على مستوى المملكة .
“ازهلها ، نجاحٌ آخر “
نجاح في قطاعات متعددة، ومشاريع متنوعة، لم يكن الانتقال بينها عشوائيًا بل عن تخطيط مستفيض ودراسة لاحتياج السوق المحلي، والتأكد من الثبات ماديًا ومهنيًا.. وعملًا بحكمة ” لا تضع البيض كله في سلة واحدة”، بات شغف رائد الأعمال الناجح المحيسني يدفعه للتنوع في مجالات مختلفة، ليؤسس تطبيق “ازهلها” عام ٢٠١٦ الذي حقق انتشارًا واسعًا محليًا، وصل لأربعة ملايين مستخدم وأكثر من ثمانية ملايين طلب، والذي تتمحور فكرته في ثلاث خدمات هي التوصيل والصيانة وبيع/شراء السيارات
” القابضة ، حلمٌ تحقق “
نجاحٌ يتلوه نجاح ومشروعٌ يعقبه آخر، حتى تكونت مجموعة شركات أحمد المحيسني القابضة، التي توزعت ما بين قطاعات الصيانة، والتسويق، والبرمجة، والأغذية، والعقارات، ولديها عقود متنوعة مع جهات حكومية ، بحيث تستقل كل شركة بفريق عملها وإدارتها وموظفيها . مستقطبةً المجموعة كفاءات متميزة طورت تأهيلها وتدريبها، فأخرجت أكثر من 27 شابًا وشابة يعملون حاليًا في مناصب جيدة وقيادية في مؤسسات حكومية وداخل القطاع الخاص ، مساهمين في نهضة وبناء هذا الوطن العزيز .
“تكريمٌ و تحفيز”
بعد كل هذه التجارب والنجاحات والقصص الرائدة، حاز المحيسني باستحقاق جائزة “عصاميون” عام ٢٠١٩، سبقها جائزة “الشاب العصامي” وغيرها الكثير من شهادات التكريم والتقدير، ومثلت تجربته الريادية نموذجًا ملهماً وأثراً يُحتذى في الإصرار والعصامية والكفاح، مقدمًا رائد الأعمال المحيسني نصيحة ذهبية لكل شاب وشابة ، أن يتأكدوا من اختيار الاستثمار المناسب ، والأساسي ، بعيدًا عن العشوائية والكماليات ، قائلًا: «دائمًا أذهب للاستثمار الذي نحن بحاجة إليه، ويعدّ أساسيًا وليس من الكماليات، لذا لن تجد تحت مظلة المجموعة أي من الاستثمارات الكمالية، فجميعها سواء التكنولوجية، أو العقارية، أو الغذائية، أو الصيانة من المتطلبات الأساسية لاستمرار الحياة … مملكتنا مقبلة على نهضة تاريخية في مجال ريادة الأعمال، حيث إن ما تقدمه الدولة لهذا القطاع كثير ومهم.. من لم يغتنم الفرصة اليوم لتأسيس مشروعه الخاص سيصعب عليه الانطلاق بعد ذلك”