تعدّ مبادرة “نقوش السعودية” التي أطلقتها هيئة التراث مؤخراً خطوة عصرية تمزج بين الأصالة والحداثة، وتجربة توظف العناصر الأثرية في نماذج حضرية، بما يقدم رحلة توعوية وتعريفية بالمكان والإنسان، في محطات متنوعة وشمولية تناسب مختلف الفئات العمرية وكافة شرائح المجتمع؛ لاكتساب المعلومة والتواصل بين الأجيال؛ من خلال الاطلاع النظري، والممارسة العملية ذات الأثر والقيمة.
“نقوش السعودية” والتي تستمر حتى الثاني من أبريل القادم في منطقة الرياض، متضمنة أنشطة تراثية ثقافية وإبداعية؛ تهدف إلى إضفاء روح جديدة على المواقع التراثية، وتقام من خلال رحلتي (المجمعة – الغاط) و (الجبيلة – سدوس)، مشتملة على العديد من التفعيلات الثقافية التي تكفل تحسين تجربة الزائر، حيث تنطلق الرحلة الأولى من الرياض إلى جبل منيخ بالمجمعة مروراً بقصر العسكر وصولاً إلى القرية التراثية بالغاط والخاتمة بقصر الأمارة بالغاط، فيما تنطلق الرحلة الثانية من الرياض إلى مركز شركة الجبيلة ومنها إلى سدوس.
فعاليات مبادرة ” نقوش” تتوزع في 21 مساراً، بداية مع فعالية عرض الإسقاط الضوئي على الجدران القديمة، والتي تحمل رمزيات إبداعية تجدد من تشكيل الصورة الانطباعية للمدينة والحائط الطيني، إضافة لورش الطفل المصممة لمراعاة مهاراته وتقديم موضوعات مبتكرة تناسب السياق العام للفعالية، وكذلك من خلال سوق الحرفيين بمختلف مقتنياتهم وأساليب تنفيذها في تجمع تفاعلي وشروحات ماتعة للزوار.
كما تقدم فعاليات تخص الطهي المباشر بواسطة تقديم المأكولات الشعبية وتحضيرها أمام الزوار والتعريف بها، وجلسة المسيان وهي منطقة استجمام بين مزارع النخيل في سدوس ويقدم فيها المشروب الساخن حيث تعتبر مساحة لتبادل الأحاديث والحوارات الشخصية، وكذلك فعالية تجسيد الحياة الاجتماعية القديمة التي تتكفل بمحاكاة التراث الشفوي ونمط العيش التراثي بطريقة تلقائية وعفوية، إلى جانب جلسات ثقافية تم التخطيط لها مع شركاء استراتيجيين يجيدون تقديم الموضوعات الملهمة ذات العلاقة بالتراث والحرف وطرحها بأسلوب جاذب.
وكذلك تأتي فعالية القهوة السعودية ضمن تفعيل مبادرة “عام القهوة السعودية 2022م”؛ بهدف إبراز قيمة القهوة السعودية ودلالاتها الثقافية والاجتماعية باعتبارها رمزاً ثقافياً يرتبط بقيم الكرم والضيافة السعودية الأصيلة. بالإضافة إلى جولة ثقافية مصممة بسردية ممتعة تتناول قصص المكان وتاريخه والحكايات القديمة، مع وجود العروض الفلكلورية والرقصات التراثية كالسامري والعرضة السعودية.
ويقدم المقهى التراثي القهوة السعودية ومجموعة من المأكولات التي تضيف للمكان تجربة متفردة الأجواء، بوجود مجموعة من الألعاب الشعبية. إضافة لمعرض كروستفر هانكه والذي يقدم تعريفاً بالمعماري هانكه وتقديمه دراسات معرفية وفنية لبلدة سدوس.
ولم تغفل هذه المبادرة الحرف حيث تقيم متاجر حرفية تمنح الفرصة لإشراك السوق والمتاجر السعودية لحضور التجمع وتفعيل تلك المناطق وتقديم بضاعة تتناسب مع فعالية المكان، في حين أنّ فعالية المذاق الشعبي تستعرض أطباقاً من المأكولات الشعبية وفنون الطهي مبتكرة ببيئة مكانية تعيد من إحيائها وتربط الأطعمة ورائحتها بنمط الحياة القديم، كذلك تمنح الإضاءات الليلية لمسة هدوء على الأماكن من خلال الإنارة الخافتة والتوجيهات الأنيقة للشعاع بأسلوب فني.
ويقدم معرض “تأليف” مجموعة من الكتب المتناولة لتاريخ المجمعة وعمرانها وتراثها المادي وغير المادي في عرض فريد ومميز، بالمقابل تمنح مشاهدة النجوم تجربة ماتعة في تأمل السماء ورؤية رسم النجوم والأفلاك من أعلى جبل منيخ باستخدام التليسكوب، يرافقها الواقع المعزز بتقديم أعمال فنية وإبداعية تمنح مرقب منيخ معانٍ أخاذة برسومات فنية متفاعلة.
ويجمع معرض الغاط للتصوير الفوتوغرافي أعمال مصوري المنطقة القديمة من خلال تقديمها في معرض فني جامع، وأخيراً فعالية بناء الطين المستلهمة من “لبنة، طينة” وأهازيج البنّائين في تجربة استعراض أساليب البناء التراثي وعناصر تكوينه.
“نقوش السعودية” هي رحلة على طريق التراث وخطوات على أثر الأجيال، وسفر عبر الأصالة من خلال أبواب تطل على أيام حظها البقاء والاستمرارية، وثمرتها إكمال المسيرة، في لمسة وفاء وبذرة انتماء نصيبها أن تكبر وتزدهر، بهوية سعودية راسخة، وحقيقة ملموسة تتبناها وزارة الثقافة وتقدمها هيئة التراث ويعيشها المجتمع السعودي في وطن له بصمة وميزة في كل شبر، ولكل إنسان دور وقصة.