تشكّل القباب أحد أبرز العناصر المعمارية للمسجد النبوي, وتتخذ طابعًا فريدًا في تشكيلها ووظائفها وبنائها بطراز هندسي متقن يسمح بدخول الإضاءة الطبيعية والهواء إلى المسجد النبوي، منذ تشييد القباب قبل مئات السنين.
ويتميز المسجد النبوي، كما أوضح الباحث والمهتم بتاريخ المدينة المنورة الدكتور فؤاد بن ضيف الله المغامسي، بسمات معمارية فريدة في بناء القباب التي تضم العديد من الدلالات الفنية والمعمارية والهندسية والجمالية, ولها وظائف لذات المكان, ومن أبرزها “القبة الخضراء” التي تمثّل أبرز الرموز المعمارية للمسجد النبوي.
ويعدون المماليك هم أول من قام ببناء القبة على الحجرة الشريفة في المسجد النبوي، وذلك في النصف الثاني من القرن السابع الهجري وتحديدًا سنة 678هـ/ 1279م في عهد السلطان الملك المنصور قلاوون الصالحي, فلم يكن قبل هذا التاريخ عليها قبة ولا بناء مرتفع.
ومرت القبة الخضراء بمراحل في البناء وكان لونها أبيض, ثم صبغت باللون الأزرق, واستقر لونها على اللون الأخضر منذ عام 1253هـ /1837م، أما بالنسبة للقباب الأخرى فالقبة التي تليها بالحجم هي القبة المجاورة لها باللون الرصاصي, وتعرف بقبة المحاريب لأن تحتها محراب النبي صلى الله عليه وسلم, ومحراب عثمان بن عفان رضي الله عنه في الجدار القِبلي.
ويحوي المسجد النبوي العديد من القباب الصغيرة المتناثرة التي يبلغ عددها تقريباً 170 قبة تختلف في أشكالها وأحجامها, فبعضها ذات نوافذ, وبعضها مصمتة, وبعضها دائرية الشكل, وبعضها أشبه ما تكون بالشكل البيضاوي, وذلك يعود لعدة أسباب فنية ووظائف من أبرزها إتاحة دخول الإضاءة الطبيعية للمسجد, حيث يصف الرحالة “بيرتون” منظر المسجد النبوي فيذكر أنه يثير الإعجاب, وأن الأنوار التي تنبعث من الزجاج الملون سواءً على الجدران أو التي على القباب تعطي منظر مبهر.
ومن الفوائد التي توفّرها القباب أنها تتيح كذلك ما يتعلق بتصريف الأبخرة الضارّة قديمًا, إذ كان المسجد النبوي في السابق يضاء بالشموع التي تخرج منها الأبخرة والهباب, فكانت النوافذ تساعد على عبور تيار هوائي بين القباب وأبوب المسجد النبوي والحصوة, مما يساعد على تلطيف الجو وتنقية الهواء داخل المسجد النبوي, كما يساعد على خروج هباب الشموع.
ومن فوائدها أيضاً ما يتعلق بالصوت, إذ لم تكن مكبّرات الصوت موجودة قديمًا, فكانت القباب وتجويفاتها تساعد على انتقال صدى الصوت لعموم المسجد أو لمساحة كبيرة منه من قبل المبلّغين الذين يقع مقرّهم في المكبرية منتصف الروضة المطهّرة, كما تشكّل القباب منظرًا جماليًا جليًا من الداخل, فهناك إبداعات الخطّاطين والنقّاشين والرسّامين بفنّهم داخل بطن القباب من كتابات ورسومات.
وتقوم الدولة متمثلة في وكالة الرئاسة العامة لشؤون المسجد النبوي والجهات المعنية الأخرى بجهود من ناحية الاهتمام بالقباب وما يتعلق بالترميم والصيانة والمتابعة، من خلال خبراء متخصّصين والاستعانة بالأجهزة الحديثة للمحافظة على جمالية وجودة القباب التي يعود تشييدها لقرون من الزمن, وظلّت على مدى عقود تتميّز ببهائها ووظائفها بفضل العناية الفائقة التي تحظى بها كباقي العناصر المعمارية ومكوّنات المسجد النبوي الشريف.