شهدت تفاصيل رحلة الحاج والمعتمر من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة الكثير من التطورات والتحديثات على مدى التاريخ القريب, فمنذ أن وحّد الملك عبدالعزيز – رحمه الله – المملكة العربية السعودية تحت راية واحدة, أولى خدمة الحجيج والمعتمرين كل الرعاية والاهتمام, وواصل المسيرة من بعده جميع ملوك هذه البلاد, الذي بات يُزيّن لقبهم الملكي وصف ( خادم الحرمين الشريفين ) في دلالة واضحة يُدركها القاصي والداني على حجم الرعاية الكبير للحرمين الشريفين وقاصديهما من ملوك المملكة العربية السعودية في كل العهود.
وكانت قديماً رحلات الحجاج والمعتمرين ما بين الحرمين الشريفين سيراً على الأقدام أو استخدام الدواب لأيام وليالٍ، وكان يواكبها الكثير من المشقة والعناء، فلا طُرق مُعبدة ومؤهلة ولا إشراف مؤسسي مُباشر أو خدمات مُساندة تُلبي الغرض، فتطورت الرحلة عند استخدام السيارات فخفت المُعاناة ولكنها لم تنتهِ في ذاك الحين، حتى جاء العهد السعودي الزاهر، فبدأت الخدمات الحكومية المتخصصة من الجهات والمُؤسسات التي تُعنى بخدمات الحاج والمعتمر، فمهدت الطُرق ووُسعت وباشرت وسائل النقل الحديث تقديم خدماتها عبر السيارات الخاصة والحافلات المُجهزة، علاوةً على رحلات الطيران، فانتهت – ولله الحمد – مشقة الرحلة وتلاشى زمنها الطويل.
وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله – تطورت رحلة الحاج والمعتمر بين الحرمين بمكة المكرمة والمدينة المنورة, فقد دشن – أيده الله – مشروع قطار الحرمين السريع في الخامس عشر من شهر محرم من العام 1440هـ, عندما استقل – حفظه الله – القطار في رحلته للمدينة المنورة قادماً من جدة, معلناً بدء خدمة هذا المشروع الكبير للحاج والمعتمر والزائر, لتُضاف وسيلة نقل متطورة وحديثة لضيوف الرحمن من الحافلات ذات الزمن المتوسط والطويل, لرحلات سريعة عبر قطار الحرمين للوصول للحرمين الشريفين.
ويُشكّل مشروع “قطار الحرمين السريع” بصمة مميزة ونقلة فريدة على خارطة مستقبل صناعة النقل في المملكة, فقد تم تشييد هذا المشروع الحيوي لخدمة ملايين المسلمين من قاصدي الحرمين الشريفين, والمسافرين عبر محطات القطار بين مكة المكرمة وجدة ورابغ والمدينة المنورة, تعمل فيه كوادر وطنية على إدارة وتشغيل قطار الحرمين السريع بكفاءة واقتدار وبروح فريق العمل الواحد.
فيما تتضاعف أعداد رحلات القطار في موسمي الحج والعمرة, لتصل لأكثر من 40 رحلة يومية بين جميع محطاته, بأسلوب عصري مُيسر وحديث, أكثر سلامة وطمأنينة للنفوس في رحلتها الإيمانية لمكة المكرمة والمدينة المنورة.
ويربط مشروع قطار الحرمين بين مكة المكرمة والمدينة المنورة, وهو عبارة عن خط سكة حديدية كهربائي مزدوج, يبلغ طوله 450 كيلومتراً, ويمرّ بمحافظة جدة, ومدينة الملك عبدالله الاقتصادية برابغ, ويعتمد المشروع في تشغيله على 35 قطاراً كهربائياً, يحتوي كل قطار على 13 عربة، بطاقة استيعابية تبلغ 417 مقعداً لكل قطار, كما يشمل أنظمة إشارات واتصالات حديثة متطوّرة, واستخدم أكثر من 1,310,000 وحدة من العوارض الخرسانية إضافة إلى 4,450,000 متر من كوابل الكهرباء المعلقة, وكذلك 15 ألف عمود كهرباء, و 1,9 مليون متر من الكيابل الخاصة بخطوط الاتصالات السلكية, ونحو أربعة ملايين طن من الحصى, وأكثر من 1500 دائرة تلفزيونية مغلقة للرقابة والقيادة.
ويحتوي مشروع قطار الحرمين السريع على خمس محطات هي محطة مكة المكرمة وتبلغ مساحتها 1250,93 متراً مربعاً, وتضم 6 أرصفة (اثنان مفردة وأربعة مزدوجة) بإجمالي عشرة مسارات, ومحطة مدينة الملك عبدالله الاقتصادية برابغ, ومساحتها 79365 متراً مربعاً, وتضم 3 أرصفة مزدوجة (6 مسارات) وصُمّمت المحطات لتكون محطات مكة المكرمة والمدينة المنورة ومطار الملك عبدالعزيز الدولي محطات طرفية على نهايات أطراف المسار, ومحطتي مدينة جدة ومدينة الملك عبدالله الاقتصادية برابغ محطتي عبور.
وتمتاز محطة قطار الحرمين في المدينة المنورة بموقعها على مدخل المدينة المنورة على امتداد طريق الملك عبدالعزيز المؤدي إلى المسجد النبوي، وتبعد عنه نحو 9 كيلومترات, وشُيّدت المحطة على مساحة تزيد على 268 ألف متر مربع, وبطاقة استيعابية تصل إلى 4000 مسافر في الساعة الواحدة قدوماً ومغادرة من المحطة, كما تحتضن المحطة صالة لكبار الشخصيات, وعدداً من المحال التجارية, ومركزاً حديثاً للنقل بالأجرة والحافلات من وإلى المسجد النبوي, وهو مجهّز للارتباط بشبكة النقل العام, كما تبعد محطة قطار الحرمين السريع نحو 13 كيلومتراً فقط عن مطار الأمير محمد بن عبدالعزيز الدولي بالمدينة المنورة.
ويتناغم تنفيذ هذا المشروع الحيوي مع رؤية المملكة 2030 كجزء من خطتها الطموحة “الخطة التنموية المقررة لخدمة ضيوف الرحمن” لمواكبة حركة الحج والعمرة المتعاظمة من مختلف مناطق العالم, وتمكين المسلمين من تأدية مناسكهم بكل يسر وسهولة مع تقديم إستراتيجية متكاملة لتطوير منظومة الحج والعمرة والزيارة.
ويُعد مشروع قطار الحرمين السريع أحد ركائز خطط التنمية، وتوسعة النقل عبر الخطوط الحديدية، بقطار يجعل الرحلة إلى المدينتين المقدستين ذات غايات عدة، ويواكب تنامي أعداد الحجاج والمعتمرين من الخارج والداخل بطاقة استيعابية تصل إلى 60 مليون راكبٍ سنوياً.
وحقّق مشروع قطار الحرمين السريع نجاحاً باهراً منذ افتتاحه وانطلاق رحلاته ما بين المدينتين المقدستين, وبات يمثّل أحد وسائل النقل الآمنة والمهمة التي تعمل على تعزيز الانسيابية في تنقلات ضيوف الرحمن قاصدي الحرمين الشريفين من خلال السكة الحديدة.