في كشف يمكن وصفه بالنادر، أعلن علماء آثار العثور على مقبرتين جماعيتين تضمان بقايا جنود من زمن الحملات الصليبية، وذلك بالقرب من قلعة تاريخية في صيدا، بلبنان.
وعثر على عظام متكسرة، ومتفحمة، لما لا يقل عن 25 شابًا وصبيًا داخل خندق جاف بالقرب من أطلال قلعة القديس لويس في المدينة الساحلية، فيما ترجح الدراسات أن بعضهم قد دفن بأوامر من أحد أشهر ملوك فرنسا في فترة العصور الوسطى.
وحسب ما نشر موقع “لايف ساينس”، فقد قتل هؤلاء الرجال خلال أ و بعد إحدى معارك الحملات الصليبية، بينما أشار فحص بقاياهم إلى أنهم بين العديد من الأوروبيين الذين دفعهم الكهنة والحكام، بين القرنين الحادي عشر والثالث عشر، لحمل السلاح في محاولة لاستعادة ما سميت بـ”الأراضي المقدسة”، لكن مثل كثيرين غيرهم ممن جاءوا للقتال، أو للنهب، انتهت الرحلة الشاقة لهؤلاء الجنود بالموت من جراء جروح خطيرة أصيبوا بها خلال المعارك.
ورغم الأعداد الهائلة للقتلى خلال الحملات الصليبية، تقول “لايف ساينس، فإنه يندر العثور على مقابر جماعية تعود إلى هذه الفترة التاريخية، وهو ما يزيد من أهمية اكتشاف المقبرتين.
ويقول ريتشارد ميكولسكي، عالم الآثار بجامعة بورنماوث البريطانية، الذي قام بالتنقيب عن البقايا وتحليلها: “عندما وجدنا الكثير من آثار الإصابات على العظام، تأكدنا أننا توصلنا إلى اكتشاف خاص”.
وحلل علماء الآثار الحمض النووي جنبًا إلى جنب مع النظائر المشعة التي تحدث بشكل طبيعي بأسنان الرجال، ليتأكدوا أن أعدادا من هؤلاء الجنود ولدوا في أوروبا، وانتهت حياتهم في وقت ما خلال القرن الثالث عشر.
وسيطر الغزاة الصليبيون على قلعة القديس لويس للمرة الأولى بعيد الحملة الصليبية الأولى عام 1110، ثم احتفظوا بميناء صيدا الاستراتيجي لأكثر من قرن، لكن القلعة “سقطت” عقب تدميرها خلال هجومين: الأول كان تدميرا جزئيًا على أيدي المماليك عام 1253، والثاني بواسطة المغول عام 1260.
ويقول الباحثون إنه “من المحتمل جدًا” أن يكون هؤلاء الجنود لقوا مصرعهم خلال إحدى هذه المعارك، مشيرين إلى طرق قتل قاسية، إذ تحمل العظام آثار طعنات بواسطة سيوف وفؤوس، وأدلة على إصابات شديدة.
كما أن الجنود أصيبوا بجروح في ظهورهم أكثر من الأمام، مما يشير إلى أن العديد منهم تعرض لهجمات من الخلف، ربما أثناء محاولات الفرار، وأشار توزيع الضربات أن المهاجمين طاردوا الصليبين المنهزمين على ظهور الخيل، كما ظهرت جروح بالشفرات على مؤخرات أعناق بعضهم، وهي علامة على احتمال أسرهم أحياء، قبل قطع رؤوسهم.
وتدل آثار أخرى على العظام إلى محاولة جرت لحرق الجثث، التي تُركت بعد ذلك لتتعفن في ساحة المعركة، ثم نُقلت في وقت لاحق إلى مقبرة جماعية.
ويكشف مشبك معدني تم العثور عليه بين العظام أن الجنود القتلى ينحدرون من منطقة تضم حاليا بلجيكا وفرنسا، بينما يشير تاريخ مقتلهم، إلى أن ملك فرنسا لويس التاسع، هو على الأرجح من أمر لاحقا بدفنهم.
ويقول بيرس ميتشل، عالم الأنثروبولوجيا بجامعة كامبريدج: “تخبرنا السجلات الصليبية أن لويس التاسع كان على رأس حملة صليبية إلى الأراضي المقدسة وقت الهجوم على صيدا عام 1253”.
ويضيف: “توجه لويس التاسع إلى المدينة عقب المعركة وساعد شخصيا على دفن الجثث المتعفنة في مقابر جماعية مثل هذه”.
وتقول أساطير أن الملك المتدين توفي لاحقًا بمرض الطاعون عام 1270 أثناء قيادته للحملة الثامنة، لكن تحليلًا حديثًا يشير إلى وفاته بسبب داء الإسقربوط.
وحسب “لايف ساينس”، قد لا يتوصل علماء الآثار أبدا بشكل قاطع إلى من قتل الجنود، لكن قبورهم المكتشفة توفر فرصة نادرة لدراسة تلك الحقبة التي لا يتوفر عنها الكثير من المعلومات.
ويؤكد ميتشل: “لقد مات آلاف الأشخاص، من جميع الأطراف المقاتلة خلال الحروب الصليبية، لكن من النادر جدًا أن يعثر علماء الآثار على (بقايا) الجنود الذين قتلوا خلال هذه المعارك الشهيرة (..) إن هذه الجروح التي غطت أجسادهم تسمح لنا أن نبدأ في فهم الحقيقة المروعة لحرب القرون الوسطى.”