تعيش المملكة العربية السعودية في المرحلة الحالية تطورا كبيرا وتغيير في مجالات عدة في سبيل الارتقاء بهذا الوطن إلى مراكز متقدمة وخصوصاً في المجال الاقتصادي من خلال الوصول إلى مؤشرات عالية تجعل السعودية تتبؤ المكانة التي تليق بها. وهو ما دفع القيادة في البلاد إلى توجيه الوزارات والمؤسسات الحكومية لبذل أقصى الجهود ومواكبة المتغيرات التي تحدث على مستوى العالم، خصوصا وأن هناك رؤية أطلقت قبل سنوات وهي رؤية المملكة ٢٠٣٠ وتعتبر القاطرة التي ستقود الدولة إلى الموقع العالمي الذي تستحقه.
وانطلاقاً من ذلك يجري الآن العمل على إحداث تغييرات مهمة على موضوع الدين وعلاقة الدائن بالمدين وهي تغييرات لا شك أن هدفها وغايتها الوصول إلى أفضل الممارسات وأحسن العلاقات بين أطراف “الدين”، وهذا أمر مرحب به وجيد لطالما كانت العلاقة غايتها تحقيق المصلحة وتبادل المنافع بين الجميع، وسينعكس بكل تأكيد على الاقتصاد السعودي والحركة المالية فيه، إلا أن لدي ملاحظة وجوهرية فيما يتعلق ببعض أجزاء تلك المقترحات التي يجري تداولها وهناك لجنة مشكلة من أجلها وهي عدم سجن المدين المماطل والذي دائماً ما أن يحصل على الدين إلا وبدأ في التهرب والامتناع عن السداد الأمر الذي يدفع الجهات القضائية للتوجيه بسجنه ومحاسبته وإرغامه على الوفاء بما التزم به تجاه الدائن وعند حالات معينة تتدخل الدولة للسداد وفقاً لظروف وأسباب محددة تعمل بها لجان المساعدة في هذا الجانب، وقد يكون لذلك دلالة كبيرة على أن شأن الدين عظيم وهو يمس حقوق أناس وضعوا أموالهم فيه وكانت غايتهم الاستفادة والتربح بما يتوائم مع أنظمة البلاد وقوانينها.
إن موضوع الدين أمر في غاية الأهمية وقد خص الله ذلك بأطول آية في القرآن الكريم، كما أن أحاديث النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم جاءت بأهمية الوفاء بالدين وعدم المماطلة به، كما أنه عليه الصلاة والسلام رفض الصلاة على رجل في ذمته دين حتى أوفى به أحد الصحابة رضوان الله عليهم.
لذلك من واجب اللجنة الموقرة التي تتدارس هذا الموضوع النظر إلى موضوع عدم سجن المدين بعناية وإدراك أن ذلك يمثل خطورة وتعريض بأموال الناس من آخرين لا يهتمون ولا يبالون بأخذ الدين ومن ثم المماطلة وقد يلحق هذا الإجراء إذا ما أقر أضراراً بالاستثمار الأجنبي نظراً لحالات المماطلة التي قد تحدث فضلا عن أن هذا الموضوع قد ينتج عنه خلافات ومنازعات تتطور بطريقة لا يحمد عقباها.
إننا جميعا نقدر الجهود التي تبذل من مقام وزارة العدل المنوطة بإصدار الأحكام القضائية والتنفيذية وهي التي تتدارس الإجراءات والأنظمة والقوانين الضابطة لعلاقة الدائن بالمدين، ولك هناك أمل كبير أن تأخذ هذا الأمر بعين الاعتبار ضمن واجباتها في الحفاظ على حقوق الناس.
كما أننا نهيب بالتعاون المستمر من جانب وزارة المالية والبنك المركزي وكافة اللجان العاملة في هذه المجالات ونتمنى على الجميع أيضا الاهتمام ومراعاة أن السجن ليس للإيذاء وإنما لدفع الناس المماطلة للوفاء بما عليها خصوصا من لديهم القدرة فيما العاجز أوجدت الدولة طرق عدة لمساعدته وقضاء دينه. وأمر سجن المدين ليس وليد اللحظة وتعمل بلادنا وكذلك جميع دول العالم، ولا يمكن يتم الوفاء بالحقوق دونما المعاقبة بالسجن للمماطلين مثل ما يحدث الآن أن كل من يخطئ أو يتجاوز سواء في قضايا الفساد أو غيره يتم سجنه وذلك للردع وبالتالي سجن المدين سيكون رادع له حتى لا يماطل بحقوق الناس.
عبد الرحمن العتيبي / الرياض