تتنامى عالميًا الصناعات التقنية، واستخدام الأجهزة الإلكترونية بمختلف أنواعها، وتتزايد معها ما يُسمى بـ”النفايات الإلكترونية” التي تعد أحد أكثر النفايات الصلبة الأسرع نموًا في العالم؛ مُشكلةً أضرارًا صحية وبيئية، يجب التخلص منها بشكل آمن ومسؤول، وفي الوقت ذاته تظهر فوائدها الاقتصادية والاجتماعية من خلال الاستثمار بإعادة تدويرها بالطرق الصحيحة.
تُعرّف “النفايات الإلكترونية” وفقًا للائحة التنفيذية لنظام إدارة النفايات الإلكترونية والكهربائية بأنها: النفايات التي تنتج عن المعدات التي تعمل بتيارات كهربائية أو حقول كهرومغناطيسية، وتشمل هذه النفايات كافة المكونات والتجميعات الفرعية والمواد الاستهلاكية، التي تكون جزءًا من المنتج حال التخلص منه، وتشمل هذه النفايات على سبيل المثال لا الحصر: الهواتف والشواحن، والطابعات، وأجهزة الكمبيوتر، والموزعات الإلكترونية.
وتشمل أنواعها مجموعة واسعة من المنتجات الإلكترونية، مثل: أجهزة الكمبيوتر المكتبية، وأجهزة الكمبيوتر المحمول، والأجهزة اللوحية، وأجهزة الحاسب الشخصي “PC”، وأجهزة الخوادم “Servers”، والتلفزيونات، والشاشات الكبيرة، والطابعات، والماسحات الضوئية، وأجهزة الفاكس، وكاميرات الفيديو، والكاميرات الرقمية، وأجهزة الألعاب المحمولة، ومشغلات الوسائط المحمولة، والهواتف المحمولة، والأجهزة والساعات الذكية، والأجهزة القابلة للارتداء، مثل: السماعات اللاسلكية.
وتحتوي “النفايات الإلكترونية” على مواد ضارة وسامة، مثل: الرصاص، والزئبق، والكادميوم، والتخلص من هذه النفايات بشكل غير صحيح، يتسبب في تلوث البيئة، والمياه الجوفية، وتأثيرات سلبية على الإنسان والصحة العامة.
وتتكدس الكثير من الأجهزة الإلكترونية والكهربائية داخل البيوت، والمنشآت، والمكاتب سواءً كانت تعمل جزئيًا ويمكن إصلاحها أو الاستفادة من أجزائها السليمة، أو كانت منتهية الصلاحية ويجب التخلص منها بطرق آمنة ومتوافقة مع المعايير البيئية.
ويُعد الحرق أو التسخين أحد أخطر طرق التخلص غير الصحيحة، بسبب الأبخرة السامة المتولدة، لأنها تنتقل لمسافات كبيرة من نقطة التلوث، ممّا يعرض صحة المجتمع للخطر، كما يُسهم ذلك في تقليل الغطاء النباتي وارتفاع الاحتباس الحراري، وزيادة الأمراض التنفسية على الإنسان، ولذلك يجب التعامل مع “النفايات الإلكترونية” بشكل صحيح.
وللتخلص منها بشكل صحيح، تُرسل للجهات المتخصصة، التي تعمل بدورها على إعادة تدوير ما يمكن الاستفادة منه، حيث تُفصل المكونات القابلة للتدوير، ويُعاد استخدامها في صناعة منتجات أخرى، والتخلص من المواد الضارة، أو التبرع بها إذا كانت الأجهزة الإلكترونية ما زالت في حالة جيدة وقابلة للاستخدام إما للمدارس، أو المنظمات غير الربحية، مع الحرص على نقل البيانات أو تدميرها حفاظًا على خصوصية المستخدم.
جهود حكومية في “إدارة النفايات الإلكترونية” تأتي جهود المملكة في إعادة تدوير “النفايات الإلكترونية”، بما يُسهم في تحقيق مستهدفاتها الوطنية والعالمية والتزامها في خفض الانبعاثات الكربونية، والوصول إلى الحياد الصفري، وتحقيق الاقتصاد الدائري، ضمن مستهدفات رؤية المملكة 2030م؛ لتحقيق الاستدامة البيئية، وتعزيز الاقتصاد المستدام، واستغلال الموارد الطبيعية بشكل فعَّال، وتقليل الهدر المالي، إضافة إلى تعزيز المسؤولية الاجتماعية، ومبادئ التكافل لتمكين الأسر المحتاجة من الحصول على الخدمات التقنية.
ولتنظيم ومراقبة أنشطة إدارة النفايات، وللتشجيع على الاستثمار فيها، ولتوسيع نطاق جودتها، أُنشئ المركز الوطني لإدارة النفايات “موان” بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 457 وتاريخ 11/ 8/ 1440هـ وهو مركز حكومي مُنظم لأعمال إدارة النفايات والمُخلّفات.
ويستهدف “موان” استبعاد “النفايات الإلكترونية” والبطاريات عن المرادم بنسبة 90 – 95% بحلول عام 2035م، وإعادة استخدام وتدوير ما يتجاوز 90% من “النفايات الإلكترونية” والبطاريات التالفة.
ولتعزيز الاستدامة والاقتصاد الدائري، أطلقت هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية أول تقرير من نوعه حول الاستدامة في قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات متضمنة إستراتيجياته، وأعلنت خلال مؤتمر “COP28” انطلاق أعمال مبادرة “تطوير تنظيمات إدارة النفايات الإلكترونية”، بالتعاون مع الاتحاد الدولي للاتصالات “ITU”، لتُطبق التنظيمات في دول زامبيا، ورواندا، وباراغواي؛ بهدف تعزيز مساعي المملكة في قيادة الجهود الدولية في الاستدامة الرقمية، وتسريع التحول نحو الممارسات الخضراء، عبر تطبيق تنظيمات تعزز الاقتصاد الدائري، وتقديم حلول ابتكارية للحد من “النفايات الإلكترونية” للوصول لمستقبل رقمي مستدام.
ومن المتوقع أن يسهم بناء تنظيمات ومعايير للحد من النفايات الإلكترونية عالميًا في وضع حجر الأساس للحد من النفايات الإلكترونية التي يصل حجمها إلى 54 مليون طن سنوياً، فيما يعاد تدوير 17% منها فقط.
وفي سياق تمكين القطاع غير الربحي ودعم جهود وأعمال إعادة تدوير “النفايات الإلكترونية”، صدرت موافقة المقام السامي بتاريخ 24 صفر 1438هــ، التي تسمح للجهات الحكومية بالتبرع بأجهزة الحاسب الآلي الرجيعة لديها لجمعية ارتقاء.
وأوضح المدير التنفيذي لجمعية “ارتقاء” عمر بن خالد الشيباني، أن الجمعية تبنت مفهوم حفظ النعمة الرقمية، وتختص بجمع الحاسبات الآلية المستخدمة وإعادة تأهيلها ثم توزيعها على الجهات الاجتماعية والتعليمية، لدعم برامج تطوير المجتمع وحماية البيئة.
وتسعى الجمعية إلى تقديم خدمات احترافية تدعم برامج الرُقي العلمي، ونشر ثقافة إعادة التدوير، والاستخدام الأمثل لتقنية المعلومات.
وأفاد الشيباني أن الجمعية تستخدم برنامج “بلانكو”، وتتبع طرُقًا معتمدة عالميًا في مسح بيانات الأجهزة وضمان عدم استعادتها مرة أخرى.
وضمن مشاريع الجمعية، جاءت مبادرة “تعليمهم لا يوقف”، لتوفير أجهزة الحاسب الآلي لمن هم بحاجة من الطلاب والطالبات، لاستكمال مسيرة التعلم خلال جائحة كورونا، التي أسهمت في تحقيق أكثر من 40 مليون ساعة تعليمية وتدريبية، وتوزيع أكثر من 30 ألف جهازٍ، وتدوير أكثر من 27 ألف جهازٍ، وبلغ عدد الجهات المستفيدة 1296 جهة مستفيدة.
وتمكنت جمعية ارتقاء خلال السنوات العشر الماضية -بحسب الشيباني – من استلام أكثر من 223 ألف جهازٍ، وأُعيد تأهيل وتوزيع أكثر من 97 ألف جهازٍ، استفادت منه 3.404 جهات، بنسبة إعادة الاستخدام “46 %”، وإعادة تدوير بنسبة “43%”.
ونتج عن عمليات إعادة التدوير الإسهام في الحد من 13.039.815 كجم من الانبعاثات الكربونية، مما يعادل إعادة تدوير 2.608 أطنان من النفايات الإلكترونية.
وشارك في عمليات إعادة التدوير أكثر من 3000 متطوع بواقع 57.080 ساعة تطوعية، بعائد اقتصادي يقدر بأكثر 2.6 مليون ريال.
واستطاعت المبادرة الوطنية الأولى من نوعها “دوّر جهازك” التي أطلقتها هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية بالتعاون مع وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، والمركز الوطني لإدارة النفايات “موان”، جمع أكثر من 100 ألف جهاز، بمشاركة 20 ألف فرد، تتجاوز قيمتها السوقية أكثر من 30 مليون ريال، وإعادة تدوير وإصلاح ما يتجاوز حجمه 240 طنًا، ودعم أكثر من 120 مدرسة وجمعية خيرية بالأجهزة المُعاد تدويرها، الأمر الذي ساعد على تقليل الانبعاثات الكربونية والمساهمة في خفض الاحتباس الحراري بمقدار 0.03C.
وفي الجانب الاستثماري، تأسست الشركة السعودية الاستثمارية لإعادة التدوير “سرك” بمرسوم ملكي، وهي إحدى الشركات المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة بالمملكة لقيادة الاستثمار في قطاع إعادة التدوير كجزءٍ من إستراتيجية الصندوق، وأهدافه؛ لتنمية وتطوير قطاعات استثمارية جديدة داخل المملكة ضمن رؤية 2030.
وتستهدف شركة “سرك” وفقًا لإستراتيجيتها تفعيل الاستثمارات في 12 نوعًا من أنواع النفايات، وأن تكون محركًا رئيسًا للاقتصاد الدائري في المملكة عبر الإسهام بتحقيق مستهدفات المملكة لرفع عمليات التدوير الإجمالية إلى نسبة 81%، ومن بين الشركات التي أنشأتها “سرك”: “إليكتا” المتخصصة في معالجة وتدوير “النفايات الإلكترونية” والكهربائية والمعدنية.
ودعمت شركة “إليكتا” القطاع الخاص بالاستثمار المباشر بشركة “إعادة”؛ لتكون الذراع التنفيذية لشركة “سرك” في مجال إعادة تدوير “النفايات الإلكترونية” والمعادن بالمملكة.
وتتمتع شركة “إعادة” التي تنتشر منشآتها في الرياض، والمنطقة الشرقية، والمنطقة الغربية، بقدرة استيعابية لإعادة تدوير تصل إلى 35 ألف طن سنويًا من “النفايات الإلكترونية”، والاستفادة من المعادن الثمينة والمواد الأولية التي تحتوي عليها هذه الأجهزة، وتعد أحد أهم المصادر لحفظ الموارد.
ومن بين خدماتها المتعددة والمعتمدة من هيئات حكومية ودولية: جمع وإعادة تدوير النفايات الإلكترونية والمعادن، وإدارة النفايات الصناعية غير الخطرة، والتخلص الموثوق من البيانات والأجهزة بشكل آمن، وتأهيل الأجهزة الإلكترونية التالفة، وتقديم الاستشارات لمشاريع التفكيك والتخلص من الأجهزة والمعادن.
وتعد خدمة التخلص الآمن وإتلاف البيانات إحدى الخدمات المتميزة التي تقدمها “إعادة”، سواءً في منشآتها أو بمواقع العملاء، وتستخدم الشركة لهذه العملية شاحنات مجهزة بمعدات تقطيع صناعية لضمان إتلاف البيانات من الأجهزة الحساسة بشكل آمن ووفقًا لمعيار “NAID AAA” المعتمد عالميًا، وتقدم الشركة شهادة توثق عملية الإتلاف الكامل، مما يعزز من مستوى الأمان والثقة، كما أن “إعادة” تلتزم بتطبيق معايير صارمة للتخلص وإتلاف تلك البيانات، تشمل: التدقيق الدوري لضمان الامتثال، وتدريب الموظفين على الإجراءات الأمنية، والمراقبة الشاملة من خلال كاميرات CCTV وتزويد العملاء بتقارير مفصلة تشمل الصور والفيديوهات، وتوثيق تلك العمليات.
وتعمل “إعادة” حاليًا مع أكثر من 70 شريكًا في مجال إعادة التدوير، مما يُسهم في تعزيز المحتوى المحلي، ودعم الاقتصاد الدائري.
وتعتمد عملية إعادة التدوير في “إعادة” على تقنيات متقدمة لفصل ومعالجة المواد، وآليات معالجة النفايات الإلكترونية “WEEE”.
وتشمل هذه الآليات: التفكيك اليدوي، بحيث تُفكك الأجهزة يدويًا لاستخراج المكونات القيّمة، مثل: لوحات الدوائر والمحركات، وإزالة المواد السامة كالبطاريات والزئبق، وهناك عملية التقطيع التي تقلل من حجم المواد بعد إزالة الملوثات، وكذلك الفصل الميكانيكي لاستخراج المعادن الحديدية، وغير الحديدية، والبلاستيك والمواد الأخرى الناتجة عن عمليات الفصل.
وتتيح جمعية “ارتقاء” منصة لاستقبال “الأجهزة الإلكترونية” المتبرع بها، من خلال رفع طلب تبرع عن طريق الموقع الإلكتروني Ertiqa.org، أو عبر تحميل تطبيق ارتقاء، وسيتم التواصل معهم لتنسيق وقت مناسب لاستلام الطلب مجانًا.