وجدان الفهيد – الجزيرة
تتسارع عجلة التطور في العالم، وتجد الجهات الحكومية نفسها أمام تحدٍّ متزايد: كيف يمكنها التواصل بفعالية مع الجمهور في عصر المعلومات؟
لم يعد الاتصال المؤسسي مجرد وظيفة إدارية هامشية أو مجرد نشر أخبار أو إصدار بيانات رسمية، بل بات قلب العمليات الحكومية.
والجسر الذي يربط بين المؤسسة والجمهور، فنّ بناء العلاقات وإدارة الصورة، والتأثير في الرأي العام، وهو ما يجعل منه عنصرًا جوهريًا في نجاح المؤسسات الحكومية وتحقيق أهدافها التنموية وهو ما يعزز الثقة، ويدعم الشفافية، ويصنع صورة ذهنية قوية ومؤثرة.
تُشير دراسة أجرتها Harvard Business Review إلى أن المؤسسات التي تمتلك استراتيجية اتصال مؤسسي واضحة تحقق مستويات أعلى من الثقة والولاء بين موظفيها والجمهور الذي تخدمه، كما توصلت دراسة صادرة عن معهد الاتصال الحكومي في الولايات المتحدة (Government Communication Institute) إلى أن الجهات الحكومية التي تعتمد استراتيجيات اتصال مؤسسي متكاملة تحقق زيادة بنسبة 60% في تفاعل الجمهور مع مبادراتها وبرامجها، وارتفاعاً في مستوى الثقة العامة بنسبة 45% مقارنةً بالمؤسسات التي تفتقر لاستراتيجيات تواصل واضحة، وتحسناً ملحوظاً في الاستجابة للأزمات وتقليل انتشار الشائعات بنسبة 55%.
هذه الأرقام تكشف حقيقة واحدة وهي أن الاتصال المؤسسي ليس مجرد وظيفة تنفيذية، بل هو استراتيجية لبناء الجهات الحكومية الذكية والمؤثرة.
ولجعل الاتصال المؤسسي في الجهات الحكومية ناجحًا، ثمّة أربعة مفاتيح ذهبية أثبتت فاعليتها في تحقيق التأثير المطلوب، الأول: التناسق والوضوح، فالرسالة الواحدة تصنع الثقة، ويُعتبر الاتساق في الرسائل الحكومية من أهم عوامل بناء المصداقية، إذ تُشير الدراسات إلى أن 80% من الأفراد يثقون أكثر بالمؤسسات التي تقدم رسائل واضحة ومتسقة عبر مختلف المنصات، ولهذا فإن وجود استراتيجية اتصال موحدة يساعد في تجنب الازدواجية والتضارب، ويضمن وصول المعلومات بشكل دقيق وفعّال.
أما المفتاح الثاني فهو الشفافية: لا تخبرهم فقط، بل أشركهم، ففي عصر الإعلام الرقمي، لم يعد الجمهور متلقياً سلبيًا، بل أصبح جزءًا من معادلة الاتصال، ووفقًا لتقرير صادر عن McKinsey & Company، فإن المؤسسات الحكومية التي تعتمد الشفافية في تواصلها مع الجمهور تشهد ارتفاعًا بنسبة 70% في مستوى التفاعل والمشاركة المجتمعية، وهذا يعني أن الاتصال المؤسسي يجب أن يتجاوز كونه “إعلانًا” ليتحول إلى حوار مستمر بين الجهة الحكومية والمجتمع، حيث تُتاح الفرصة للمواطنين للمشاركة في اتخاذ القرار والتعبير عن آرائهم.
والمفتاح الثالث يتمثل باستخدام التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي ، حيث تُشير تقارير مجلس الاتصال الحكومي في المملكة المتحدة إلى أن الجهات التي تستثمر في الذكاء الاصطناعي وأدوات تحليل البيانات في الاتصال المؤسسي تحظى بقدرة أعلى على التنبؤ باتجاهات الرأي العام والاستجابة بفاعلية للأزمات، وهذا يقودنا إلى مفهوم “الاتصال الاستباقي”، إذ لا تنتظر الجهات الحكومية حدوث المشكلات، بل تعمل على رصد التوجهات والاستعداد المُسبق لتقديم المعلومات الصحيحة، مما يقلل انتشار الأخبار المضللة ويعزز الصورة الإيجابية للمؤسسة.
وأما المفتاح الرابع والأخير فهو بناء هوية مؤسسية قوية .. فما الذي يجعل بعض الجهات الحكومية أكثر تأثيرًا وموثوقية عن غيرها؟ .. وتكمن الإجابة على هذا التساؤل في بناء هوية مؤسسية قوية، فالهوية المؤسسية ليست مجرد شعار أو تصميم، بل هي مجموعة من القيم والمبادئ والأساليب التي تميز الجهة الحكومية عن غيرها.
ووفقًا لدراسة أجرتها Forbes Insights، فإن المؤسسات التي تمتلك هوية مؤسسية واضحة تحقق معدلات ولاء أعلى بنسبة 50% بين الجمهور، وتتمتع بقدرة أكبر على مواجهة الأزمات بنسبة 65%، تفاعلًا إيجابيًا بنسبة 80% مع الحملات الإعلامية والمبادرات الحكومية.
إن الاتصال المؤسسي في الجهات الحكومية هو مستقبل الإدارات الحكومية الذكية و عنصر استراتيجي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بقدرة المؤسسة على تحقيق أهدافها وبناء صورتها وتعزيز ثقة الجمهور بها، وكما يقول “Warren Buffet”: “يستغرق بناء السمعة 20 عامًا، لكن يمكن تدميرها في خمس دقائق.. وإذا فهمت ذلك، ستتعامل مع الاتصال بجدية أكبر”.