جدة – صالح الخزمري
أختتمت اليوم جلسات ملتقى قراءة النص في دورته الـ(21)، والذي ينظمه النادي الأدبي الثقافي بجدة، ويناقش فيه “التاريخ الأدبي والثقافي في المملكة العربية السعودية بين الشفاهية والكتابية”، حيث حفلت الجلسة الخامسة والختامية بالعديد من البحوث والأوراق المهمة، قدمها الدكتور يوسف العارف
حيث شارك الدكتور منصور بن عبدالعزيز المهوس، بورقه وسمها بـ”حكاية الأثر الثقافي لمحمد الخضير في سيرته (رحلة بين قرنين) من المشافهة إلى الكتابة”، تناول في ثناياها التأريخ الثقافي في مملكتنا الغالية في جانبه التعليمي، من خلال ما قدمه ورصده أحد رواد التعليم، وهو الشيخ محمد بن إبراهيم الخضير -رحمه الله- في سيرته الذاتية (رحلة بين قرنين). مشيرًا إلى أن مجموع دلالات البنى الحكائية في سيرته تدور حول مركزية الأثر الثقافي التعليمي الوطني في مسيرته، مركزية شكلت معالم سيرته واستوعبت موضوعها وفضاءاتها المكانية والزمانية؛ من خلال خطاب سيري انتقل من المشافهة إلى الكتابة ، فالتأريخ الثقافي والتعليمي حضر بمقصد غير موارب، تحول إلى منجز دلالي تحقق بطرائق مختلفة في كل سياق من سيرته.
ولرصد أبعاد هذه الحكاية الثقافية أتت الورقة في مطلبين:
الأول، الجانب السيري الموضوعي الراصد للتأريخ الثقافي التعليمي في المملكة، وتحديدًا في وسط المملكة، بخاصة في نشأة تعليم البنات، وأثر الخضير في ذلك، ودوره التطوعي والمجتمعي والنهضوي في مجال التعليم الأهلي والحكومي.
والثاني: الجانب السيري الفني الراصد لهذا الجانب الثقافي التعليمي، بدءًا من علامات الانتقال من المشافهة إلى الكتابة، ثم بيان الوظائف السردية التي تغيّاها الخضير، ونوع الأسلوب السردي لحكايته السيرية.
ويتخذ الباحث أ. نايف إبراهيم كريري من البودكاست الرقمي، بوصفه الوجه الجديد للإعلام الأدبي والثقافي، معملًا لبحث دور الإسهامات الجديدة ما بين الواقع والمأمول، منوّهًا في البدء إلى أن السنوات الأخيرة شهدت ظهور عدد كبير من البودكاستات الأدبية والثقافية التي تقدم محتوى متنوعًا يجذب فئات مختلفة من الجمهور. تتناول هذه البرامج موضوعات متنوعة لمناقشة المواضيع الثقافية، والأحداث الأدبية الراهنة، وتمكنت البودكاستات من جذب اهتمام جمهور واسع من خلال تركيزها على مختلف الأجناس الأدبية، مما يساعد في تعزيز الانتماء للهوية الثقافية.
ويضيف بقوله: البودكاست وسيلة حديثة وواعدة لدعم المحتوى الأدبي والثقافي، حيث يوفر منصة مهمة للأدباء والمثقفين للتواصل مع جمهورهم وتقديم محتوى ذو قيمة فكرية وثقافية عالية. وعلى الرغم من التحديات، فإن المستقبل يبشر بمزيد من الفرص لتطوير هذه الوسيلة الإعلامية وزيادة إسهاماتها في نشر الثقافة والأدب، وتحقيق هدفها في توسيع الأفق الثقافي للمستمعين في العالم العربي.
وتكمن أهمية الدراسة التي قدمها كريري في كونها محاولة فهم عمق الدور الذي تلعبه البودكاستات في نشر الأدب والثقافة، ومدى تأثيرها على المجتمع السعودي والعربي، وفي استقصاء دور هذه التقنية، التي باتت تنافس وسائل الإعلام التقليدية، وسعيها إلى تقديم فهم شامل لدور البودكاست في دعم المحتوى الأدبي والثقافي السعودي والعربي، واقتراح حلول لدعم هذا التوجه وتعزيز الثقافة العربية الرقمية.
كما تهدف الدراسة إلى توضيح دور البودكاست كأداة إعلامية حديثة في إثراء المحتوى الأدبي والثقافي، إلى جانب تقييم إسهامات البودكاست السعودي والعربي في تعزيز الوعي الثقافي والأدبي.
ويضع الباحث أحمد العمري كتاب “من البادية إلى عالم النفط” لعلي النعيمي، على طاولة البحث والتنقيب، مستجليًا ما استكنّ في جوفه بين السيرة الذاتية والمذكرات الأدبية، مشيرًا في المستهل إلى أن الكاتب علي النعيمي الوزير الأكثر شهرةً في عالم النفط عام 2016م، ظهر بكتابه البكر – وربما الوحيد – الذي أسماه “من البادية إلى عالم النفط” وكأنّه أراد أن يكون كتابًا يتيمًا تتلقفه الأجيال، وتناقشه العقول، وتتجاذب حوله الأقلام كما كان من أمر (اليتيمات) في الشعر العربي؛ لا سيما وأنّ المؤلف له حضوره ومكانته الكبيرة في الأوساط العالمية بصفته وزيرًا محنّكًا، ودبلوماسيًا ذكيًّا، وقائدًا ناجحًا.
ويقف البحث من ثم في تجربة الكاتب بين السيرة الذاتية في صورتها التي تُعنى بالفرد منذ ولادته، ونشأته، وتعليمه إلى زمن إنتاج العمل؛ وبين المذكرات الأدبية التي تبحث موقع الكاتب، ورأيه حول الأحداث التي عاشها، أو شاهدها، ودوره في تقييمها، أو المشاركة فيها، أو التعليق عليها.
ويرجع العمري الأسباب وراء اختياره لهذه الدراسة إلى شغفه بالإنتاج الوحيد للوزير علي النعيمي ومحاولة قراءة أفكاره، وتجاربه، كذلك عدم وجود أي دراسة علميّة خُصّصت للكتابة عن هذا المنجز الثقافي المهم، عدا بعض المقالات اليسيرة والمنشورة في الصحف السعودية.
في حين ذهبت د. جميلة الشاماني في ورقتها إلى بحث تجليات ودلالات الحرفة اليدوية في نماذج من الشعر السعودي، عبر إخضاع مادة بحثها للمنهج السيميائي، مثيرة عددًا من الأسئلة مسبوقة بتمهيدٍ وثلاثة محاور، حيث يشتمل التمهيد على عنصرين، هما (مفهوم الحرفة اليدوية، وأنواعها، والتعريف بالمنهج السيميائي وآلياته) أمَّا المحاور؛ فتتمثل في تجليات الحرف اليدوية في تلك النماذج أولًا، والوظائف التي يؤديها توظيف الحرف اليدوية في الشعر السعودي ثانيًا، الدلالات التي يرمي إليها ذلك التوظيف ثالثًا.
وجعلت ورقة د. قُدَاس الخضيري، من كتاب “مشيناها” للدكتور عبدالرحمن الشبيلي أنموذجًا، لدارسة “الإعلامُ السعوديُّ القديم وثقافةُ الشِّفاهيَّة”، مقررًا في ابتداره أن الإعلام السعودي القديم قام بدور مهم ومؤثر في المشهد الثقافي والأدبي في المملكة العربية السعودية؛ مما أسهم في تعزيز الهوية الوطنية والعربية والإسلامية، وتكريس اللغة العربية، وتعزيز دورها كمصدر رئيسي للتواصل، ونشر الوعي الثقافي في المجتمع. وأن الإعلام السعودي القديم كان يعتمد على الصحافة والإذاعة، ومع التطور الإعلامي وظهور التلفزيون أصبح المشهد الثقافي أكثر تنوعًا وانتشارًا، وقد حظي إنشاء التلفزيون السعودي باهتمام إعلامي واجتماعي وسياسي كبير.
وفي ضوء هذا المهاد مضت الورقة متناولة الإعلام السعودي القديم وقضية الشفاهية التي اعتمدت عليها الثقافة الأدبية والتاريخية بشكل كبير، وكان لها دور مهم في تعزيز الروابط الاجتماعية وتوثيق الأحداث التاريخية. كما عرضت الورقة دور الإعلام في المشهد الثقافي، وتعزيز الهوية الوطنية والعربية، والتأثيرات المتبادلة في الإعلام الشفاهي؛ مركزة على أهم القضايا الإعلامية التي تناولها الدكتور عبدالرحمن الشبيلي في كتابه “مشيناها”، الذي يعد مرجعًا مهمًا لمراحل تطور الإعلام السعودي، حيث يقدم نظرة عميقة لرحلة الإعلام في المملكة، ويسلط الضوء على تحولات الإعلام، وتشكيل الثقافة الشعبية، والعلاقة بين الجمهور والإعلام، وكيف أثرت على المجتمع في المملكة العربية السعودية.