وجدان الفهيد
لا يُمكن الحديث عن نهضة المدن وتقدّمها دون الإشادة بدور الإعلاميين، هؤلاء الذين يشكّلون عيون المجتمع الناقلة لحركته، وصوته المعبّر عن تطلعاته، وجسوره التي تربطه بالعالم، فالإعلامي ليس مجرد ناقل خبر، بل هو شريك في التنمية، ومسهم رئيسي في بناء الصورة الذهنية لمدينته، حيث يكون حاضرًا في كل حدث، يوثق، يحلل، ويرسم الملامح الإعلامية لمستقبل المكان الذي ينتمي إليه.
إن ما يميز المدن الناجحة اليوم ليس فقط بنيتها التحتية أو مشاريعها الطموحة، بل قدرتها على إيصال هويتها ورسالتها عبر إعلام قوي، يبرز إنجازاتها، ويسوّق لفرصها، ويجعلها محط أنظار العالم، وعندما تستضيف مدينة ما مؤتمرًا دوليًا أو معرضًا اقتصاديًا، فإن الإعلاميين يصبحون خط الدفاع الأول عن مكانتها، والسفراء الذين ينقلون صورتها بأبهى حُلّة، ويوصلون رسائلها لأبعد مدى.
تشير دراسة صادرة عن منظمة السياحة العالمية (UNWTO) إلى أن المدن التي تحظى بتغطية إعلامية إيجابية أثناء استضافة المؤتمرات والفعاليات الاقتصادية تشهد زيادة بنسبة 35% في أعداد الزوار بعد انتهاء الحدث، ارتفاعًا في حجم الاستثمارات بنسبة 25% خلال السنوات الثلاث التالية، تحسنًا في الصورة الذهنية للمدينة بنسبة 50% لدى المستثمرين الدوليين، كما وجدت دراسة أجرتها جامعة أكسفورد أن الإعلام الرقمي والتغطية التفاعلية عبر وسائل التواصل الاجتماعي تلعب دورًا رئيسيًا في جذب المستثمرين وتعزيز السياحة، حيث يساهم المحتوى الإعلامي الإبداعي في تحويل المدينة إلى “وجهة مفضلة” سواء للزوار أو أصحاب المشاريع.
لتحقيق تغطية إعلامية فعالة تسهم في تسويق المدينة، هناك عدة أدوار رئيسية يجب أن يؤديها الإعلامي بمهارة أولها: بناء قصة إعلامية جذابة ،حيث أن الناس لا تتفاعل مع الأخبار الجافة، بل مع القصص الملهمة، دور الإعلامي هو تحويل الفعاليات إلى قصص إعلامية مشوقة، تربط الزائر والمستثمر بتاريخ المدينة، تطورها، فرصها، وتوجهاتها المستقبلية، فمثلاً عند تغطية مؤتمر أو معرض ، لا يكفي الحديث عن عدد المشاركين، بل يجب تقديم قصص نجاح لمستثمرين بدأوا مشاريعهم في المدينة، أو مقابلات مع مشاركين يتحدثون عن تجربتهم الإيجابية، ثانياً : استخدام الإعلام الرقمي والتفاعل المباشر، في عصر السرعة، لم يعد الجمهور ينتظر نشر الأخبار في الصحف، بل يتابع الأحداث لحظة بلحظة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، البث المباشر، والفيديوهات القصيرة، ثالثاً : الترويج للمدينة من خلال الشخصيات المؤثرة، أظهرت دراسة لـ McKinsey & Company أن 75% من القرارات الاستثمارية والسياحية تتأثر بالمحتوى الذي يقدمه المؤثرون عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
صحيح أن الإعلامي يؤدي دورًا تسويقيًا، لكنه في الوقت ذاته يحمل مسؤولية المصداقية، فالترويج الفعّال لا يعني المبالغة أو التجميل غير الواقعي، بل تقديم صورة حقيقية للمدينة، تبرز نقاط قوتها، وتعكس هويتها بشكل أصيل فكل كلمة تُكتب، وكل صورة تُنشر، وكل لقاء يُبث، هو جزء من “الهوية الإعلامية” للمدينة، وهذه الهوية هي التي تصنع الفارق في مستقبلها الاقتصادي والاستثماري ، وعندما يكون هناك مؤتمر أو معرض، فهو ليس مجرد حدث، بل نافذة إعلامية للعالم، والمسؤولية الكبرى تقع على الإعلاميين في تقديمه بالشكل الذي يستحق.
في النهاية، يمكن القول إن الإعلامي هو ضمن خطوط الدفاع الأولى عن مدينته، وجزء مُهم من المرآة التي تعكس هويتها، والوسيلة التي تجعلها حاضرة على الخارطة الإعلامية والاستثمارية، وكما قال “والتر ليبمان”، أحد رواد الإعلام الحديث:“الأخبار هي ما يحدث، أما الصورة الذهنية فهي ما نصنعه مما يحدث.”