جدة – صالح الخزمري
شهد اليوم الثاني من أيام معرض جدة للكتاب، الذي تنظمه هيئة الأدب والنشر والترجمة إقبالاً كبيرًا من الزوار، امتلأت بهم جنبات المعرض مما يبشر بأن الكتاب الورقي لا يزال بخير، وسط تنظيم مميز وفريد من إدارة المعرض.
تجدر الإشارة إلى أن معرض جدة للكتاب 2024 يشهد في نسخته الحالية مشاركة أكثر من 1000 دار نشر ووكالة محلية وعالمية من 22 دولة، موزعة على أكثر من 450 جناحًا، في ظل مشاركات عدة جهات حكومية وهيئات ومؤسسات ثقافية سعودية وعربية. كما أن للبرامج الثقافية المصاحبة للمعرض نصيب الأسد؛ إذ يشتمل المعرض على برنامج ثقافي منوع، يضم أكثر من 100 فعالية متنوعة، تحوي العديد من المحاضرات والندوات وورش العمل والمسرح، التي يقيمها أكثر من 170 متخصصًا من داخل المملكة وخارجها، إضافة إلى منطقة خاصة بالطفل تقدم برامج ثقافية خاصة بهذه الفئة العمرية في مجالات الكتابة والتأليف والمسرح، وصناعة الرسوم المتحركة، إضافة إلى الأنشطة التفاعلية والثقافية المختلفة.
البرنامج الثقافي للمعرض حافل، منها ندوة (أثر الترجمة على السرد العالمي) التي ناقش فيها الدكتور أشرف القرقني والمترجم مارك جمال، بإدارة الدكتور أشرف بقنه، قضايا الترجمة وأهميتها في تشكيل الأدب العالمي، وسط حضور مميز من المترجمين والزوار.
واستعرض مارك جمال دور المترجم في بناء السرد العالمي، مشيرًا إلى أن النجاح الأدبي يعتمد على قدرة العمل على ملامسة القلوب واحترافية المترجم.
وأوضح أن الجوائز قد تُقدِّر جهد الترجمة، لكنها ليست دائمًا مؤشرًا على أهمية العمل، مشددًا على أن الترجمة قد تمنح العمل شهرة لم تكن له في مجتمعه الأصلي.
كما أكد جمال أن الترجمة تلعب دورًا أساسيًا في تعزيز التفاهم بين الثقافات، وتوثيق الأعمال الأدبية للأجيال القادمة، مما يجعلها جسرًا بين الأمم.
من جانبه، تناول الدكتور أشرف القرقني فكرة “عالمية العمل الأدبي”، مشيرًا إلى أنها لا تتحقق إلا إذا لمس العمل جوانب كونية، ورافقه مترجم يمتلك فهمًا عميقًا لتلك الجوانب.
وأضاف بأن الترجمة قد تسهم أحيانًا في تعزيز صورة نمطية أو تقديم العمل بشكل سطحي إذا لم تُراعَ خصوصيات الأدب.
وأكد القرقني أن المترجم يجب أن يكون عاشقًا للأدب وقادرًا على تفكيك النصوص وإعادة صياغتها بأسلوب جديد، معتبرًا أن الترجمة هي “ضيافة للغريب”، تتيح التعرف على الذات والآخر بعمق.
واتفق المشاركون على أن الترجمة الناجحة تتطلب الإتقان والقدرة على الحفاظ على جوهر النص وروحه، مع مراعاة خصوصيات اللغتين.
وضمن الورش المقامة بمعرض جدة للكتاب جاءت ورشة عمل استثنائية، تسلط الضوء على مشروع “إقامة دار القلم”، إحدى أبرز مبادرات مركز الأمير محمد بن سلمان العالمي للخط العربي.
واستعرضت الورشة مفهوم الإقامات الفنية، نشأتها، وأهدافها، ومكوناتها، وتحدياتها، في رحلة غنية بالمعلومات والإلهام.. وركزت على تعريف الحاضرين بإقامة “دار القلم”، التي تهدف إلى تمكين الفنانين من استكشاف مهاراتهم، وتطوير تقنياتهم، والتواصل مع زملائهم لتبادل الخبرات والمعرفة. كما تسعى “الإقامة” لإنتاج أعمال فنية مبتكرة، تعكس روح الاستدامة والتحول والإبداع، مما يجعلها منصة متكاملة لدعم الخط العربي وإبراز جماليته.
ولم تقتصر الورشة على الحديث عن “دار القلم”، بل فتحت نافذة على تاريخ الإقامات الفنية عامة، التي تُعد برامج ثقافية وفنية، تمنح الفنانين فرصة العمل على مشاريعهم في بيئات داعمة وخارج أُطرهم المعتادة؛ إذ نشأت هذه الفكرة بشكل غير رسمي في القرن الـ 19، حين اعتاد الفنانون الترحال إلى أماكن منعزلة لتطوير أعمالهم.
أما الإطار الرسمي للإقامات الفنية فقد بدأ في القرن الـ 20، مع أكاديمية الفنون في فلورنسا بإيطاليا، التي أرست الأساس لهذه المبادرات.
كما شهد المعرض ورشة عمل تحت عنوان “تحديات المسرح في العالم العربي”، سلطت الضوء على التطورات الكبيرة التي حققها المسرح السعودي مؤخرًا. وأكدت أن المسرح السعودي بات لاعبًا رئيسيًّا في المشهد الثقافي المحلي والإقليمي، بفضل الدعم الحكومي والمبادرات النوعية التي أسهمت في تسريع نموه وترسيخ قواعده، مع طموح واضح لمنافسة المسارح العالمية.
المشاركون في الورشة أشاروا إلى الدور الكبير الذي تلعبه وزارة الثقافة في دعم المسرح وتطويره، مع إبراز أهمية مساهمة المؤسسات الأهلية في تعزيز القطاع، خاصة من خلال مبادرات مثل مسرح الطفل.
وأكد عبدالعزيز السماعيل، الكاتب المسرحي السعودي، أن المملكة تعيش نهضة ثقافية غير مسبوقة، داعيًا إلى تكامل الجهود بين وزارة الثقافة ومؤسسات المجتمع المدني لتطوير أدوات المسرح ودعمه بشكل أكبر.
كما شدد على أهمية دور وزارة التعليم في اكتشاف المواهب الشابة عبر توفير منصات عرض في المدارس، مما يسهم في خلق جيل واعٍ وقادر على تطوير المسرح.
وتناولت الورشة واقع المسرح العربي الذي يعاني، وفقًا للسماعيل، من ضعف الدعم وقلة الاندماج في الحراك المجتمعي، مشيرًا إلى أنه رغم التحديات فإن هناك أملاً في تحسين هذا الواقع من خلال تفعيل دور المؤسسات لإحياء المسرح وصياغته بما يجذب جمهورًا أوسع.
وذكر أن المشهد المسرحي السعودي شهد نقلة نوعية مؤخرًا عبر مبادرات متميزة مثل مسابقة التأليف المسرحي التي حفَّزت الكوادر الموهوبة على الإبداع، ومبادرة المسرح المدرسي التي تهدف إلى بناء قدرات فنية جديدة، كما أن استضافة عروض عربية وعالمية في مختلف المدن السعودية أضافت بُعدًا جديدًا لهذا القطاع الواعد.
واستعرضت الورشة أيضًا الجوانب الفنية في المسرح، مثل أهمية الخروج عن القوالب التقليدية، والانفتاح على الجمهور لإنتاج أعمال تلامس مختلف الشرائح، وشدد السماعيل على أهمية القراءة المستمرة والبحث العميق لتطوير قدرات المسرحيين السعوديين، مما يعزز حضورهم محليًّا ودوليًّا.