هل تحمل كامالا هاريس، “الرئيسة” في حال فوزها على منافسها الجمهوري دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني، خطط تغيير، ولو بالحد الأدنى، للعلاقات الدولية وتحديدا في إطار الحرب بين حماس وإسرائيل والتوترات في الشرق الأوسط؟
قد تشكل هذه الفرضية كابوسا وربما الأسوأ على الإطلاق بالنسبة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، الذي يعول على استمرار الدعم الأمريكي في الحرب الدامية مع حركة حماس والتي أدت لمقتل أكثر من 41 ألف فلسطيني وجرح نحو 95 ألف آخرين منذ السابع أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ولعل مكمن القلق عند نتانياهو مع اقتراب موعد التصويت، هو أن كماشة المناوئين له باتت تضيق عليه الخناق أكثر من أي وقت مضى سواء داخليا مع استمرار الحراك الاحتجاجي المطالب بوقف إطلاق النار وتحرير الرهائن المحتجزين في غزة من جهة، ومن جهة أخرى أزمة الثقة مع القادة العسكريين الإسرائيليين مع استمرار الحرب. وزد على ذلك تصاعد وتيرة الانتقادات الدولية ضده، مثل تصريحات جوزيب بوريل مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي حول استخدام الدولة العبرية للتجويع كـ”سلاح حرب” في غزة، وطلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرات توقيف بحقه وبحق وزير الدفاع يوآف غالانت بتهمة ارتكاب “جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية”، إلى جانب انتقادات الأمم المتحدة المستمرة.
فهل تتسع رقعة الضغوط لتشمل أكبر حلفائها بالعالم وأشدهم دفاعا عنها، وهي الولايات المتحدة؟ قد تكشف صناديق الاقتراع الأمريكية الإجابة في حال انتخبت كامالا هاريس رئيسة وأوفت بتعهداتها في ضوء تصريحاتها خلال زيارة نتانياهو إلى الكونغرس الأمريكي في 26 يوليو/تموز، والتي قالت حينها إنها لن تلتزم “الصمت” أمام معاناة المدنيين في غزة، مصرة على ضرورة إبرام اتفاق سلام بدون تأخير، ثم أبدت ثباتها على هذا الموقف عبر ما قالته في المناظرة التي واجهت فيها أمس منافسها ترامب.
يقول د. أشرف عكة وهو باحث سياسي وخبير في العلاقات الدولية وفقا لموقع فرانس24، إن هاريس ستتبنى موقفا مختلفا تماما في التعامل مع حكومة بنيامين نتانياهو في حال فوزها “لأن الخطاب الأمريكي التقليدي عن حل الدولتين يتناقض عمليا مع النهج الذي اعتمدته إسرائيل طيلة الفترة الماضية، حتى إن هذا اليمين (الإسرائيلي) يسعى إلى تنفيذ أجندة متطرفة تنسف كل مسار التسوية والسلام ليس فقط مع الفلسطينيين وإنما مع كل دول المنطقة بما في ذلك الأردن، ومصر”.
ويرى عكة أن على الولايات المتحدة أن ترجع إلى “تلك الثوابت والمرتكزات والتعهدات خاصة وأنها كانت وسيطا وراعيا لعملية السلام لعقود طويلة”. ويضيف “أعتقد أن هاريس ستعود إلى ذلك الخطاب وتلك المواقف الثابتة، لقد كانت جريئة في المناظرة وقالت إن هناك دفاعا دائما عن حق إسرائيل في الوجود وهذا موقف أمريكي ثابت، لكن للفلسطينيين حقوقا مشروعة والحرب يجب أن تتوقف”.
وكان لافتا فعلا بأن السيناتورة السابقة البالغة من العمر 59 عاما قد رفعت من سقف وحدّة الانتقادات لنتانياهو خلال زيارته وقالت إن “ما حدث في غزة خلال الأشهر التسعة الماضية مدمر” مشيرة بالخصوص إلى “الأطفال القتلى” و”الأشخاص اليائسين والجياع الذين يفرون بحثا عن الأمان”.
وقالت نائبة الرئيس الأمريكي حينها إنها شددت خلال لقائها مع نتانياهو على خطورة الوضع الكارثي في غزة، داعية إلى إقامة دولة فلسطينية، وهو أمر يعارضه رئيس الوزراء الإسرائيلي بشدة.
يعقب المحلل السياسي الفلسطيني د. أشرف عكة بالقول إن هاريس عبّرت خلال المناظرة الأخيرة مع ترامب، عن تمسكها بالموقف الذي سبق أن أعلنته، وهي “لم تخش الاتهامات التي وجهها لها ترامب (بشأن كراهيتها لإسرائيل). أضف لذلك، فإن تفوق هاريس في المناظرة قد يشكل عاملا مهما في الضغط الأمريكي على إسرائيل، بل هو من أهم العوامل التي قد تشجع هذه الإدارة على ممارسة هذه الضغوط واتخاذ موقف حاسم وواضح من هذه الحرب”. مضيفا أنه لطالما “كانت مواقف الديمقراطيين بشكل أو بآخر واضحة وثابتة حيال السلام وحل الدولتين”.
وتراشق المرشحان خلال مناظرة ليل الثلاثاء الأربعاء التهم والانتقادات اللاذعة بشأن الحرب في غزة وأوكرانيا، لكنهما لم يقدما تفاصيل محددة حول الكيفية التي سيسعيان بها إلى إنهاء النزاعين.
ففيما اتهمت هاريس ترامب بالاستعداد للتخلي عن الدعم الأمريكي لأوكرانيا من أجل كسب ود بوتين ووصفت ترامب بأنه “عار”، زعم الأخير بأن هاريس “تكره” إسرائيل، وهو ما نفته.
وقال ترامب في المناظرة خلال مناقشة حول الشرق الأوسط: “إذا أصبحت رئيسة، أعتقد أن إسرائيل لن تكون موجودة خلال عامين من الآن”، دون أن يقدم أي حجج تثبت إمكانية حصول هكذا سيناريو. وتابع: “سيتم تفجير المكان بأكمله… ستختفي إسرائيل”. في المقابل، ردت هاريس أن أقوال ترامب التي تشير إلى كرهها إسرائيل “ليست صحيحة على الإطلاق”، وأضافت أنها دعمت الدولة العبرية طوال مسيرتها المهنية.
ويبدو أن هاريس وعلى الرغم من الضغوط التي تواجهها بما في ذلك اتهامات ترامب النارية، لا تزال تحاول أن تمسك بالعصا، أو لنقل الجمرة، من المنتصف، فيرى البعض أنها لا تبغي خسارة أصوات جميع فئات المؤيدين والمدافعين عن الشعب الفلسطيني ولا سيما العرب والمسلمين، الذين حذر خبراء من أنهم قد يختارون العزوف الانتخابي، ولا هي قادرة على التوجه نحو معاقبة إدارتها لنتانياهو بشكل فعلي بالرغم من الانتقادات اللاذعة التي وجهتها له مباشرة وامتعاضها من الخط الذي ينتهجه في الحرب مع حماس.
في هذا السياق، قال سركيس أبو زيد وهو صحافي وكاتب سياسي وفقا لمحطة فرانس24، بأن تصريحات كامالا هاريس متناقضة ومتباينة بشكل عام “وهذا دليل على ارتباكها بسبب الانتخابات الرئاسية خاصة وأنها في حاجة إلى أصوات المسلمين في الولايات المتحدة من جهة، وأيضا لتفادي إثارة غضب إسرائيل” وبالتالي الوعاء الانتخابي السائر في دربها أمريكيا.
كما يقول سركيس أيضا إن هاريس وفريق عملها وأهم عناصر حزبها تطلق أحيانا “تصريحات مؤيدة بشكل مبالغ فيه لإسرائيل، ومن جهة أخرى تحاول أن ترضي الفلسطينيين عبر تصريحات أخرى. فمؤخرا أكدت أنها مع حل الدولتين والتسوية ووقف إطلاق النار في غزة وحق تقرير المصير للفلسطينيين وكلها مبادئ يرفضها نتانياهو وحكومته، لكنها تطلقها من أجل إرضاء الوسط العربي والمسلم في أمريكا. من جهة أخرى، فهي تحرص على إظهار دعمها لإسرائيل لجهة استعمال حق الفيتو والدعم بالسلاح والمال وكل أساليب المساندة، إضافة إلى تصريحات تؤكد أنها ستقف مع إسرائيل في حال وقوع أي اعتداء عليها. لهذا، استغل ترامب هذه التناقضات وشن عليها هجوما خلال المناظرة قائلا إنها تكره إسرائيل سعيا لإحراجها بشأن هذه المسألة”.
وعلى الرغم من أنها شددت اللهجة بشراسة في مواجهة بايدن بشأن ارتفاع عدد المدنيين من ضحايا القصف الإسرائيلي في غزة، ما أثار تكهنات بأنها قد تعتمد موقفا أكثر صرامة حيال الحليفة التاريخية لواشنطن، إلا أن كامالا هاريس أكدت مؤخرا في مقابلة مع شبكة “سي أن أن” أنها لن تعلق تزويد إسرائيل بالأسلحة على الرغم من الدعوات التي تعالت من أوساط مؤيدين للديمقراطيين ومن العرب الأمريكيين للقيام بذلك، مشددة على أنها ستقوم بما يلزم لضمان قدرة إسرائيل على “الدفاع عن نفسها”.
على الرغم من ذلك الموقف الأخير الواضح والصريح من هاريس، يرى د. أشرف عكة بأن مسألة حماية إسرائيل من ثوابت السياسة الأمريكية “لكن إذا تمرد نتانياهو على المقترح الأمريكي (حول وقف إطلاق النار في غزة)، فهناك سوابق تاريخية أتاحت فيها الولايات المتحدة لدول إقليمية بتأديب إسرائيل مثلما حدث في حرب 1973 واختراق الجيش المصري لخط بارليف”. لكنه يؤكد في المقابل أنه وعدا عن مسألة “تأديب إسرائيل”، فإن واشنطن قد لا تلجأ إلى مراجعة مسألة تسليح الدولة العبرية في أي مرحلة من المراحل، “لأنها من احتياجات إسرائيل الأمنية ولضمان قوتها في الشرق الأوسط ولن تغيرها هاريس ولا غيرها، بل إن هذا القرار بيد الدولة العميقة في الولايات المتحدة ومن مؤسساتها الأمنية”.