لأول مرة في المكسيك منذ استقلالها عام 1821 تصل امرأة إلى سدة الحكم في البلاد، ألا وهي كلاوديا شينباوم مرشّحة اليسار الحاكم. حققت شينباوم فوزا كبيرا في الانتخابات الرئاسية التي جرت أمس الأحد، وفق ما أظهرت النتائج الأولية الصادرة عن المعهد الانتخابي الوطني.
حصلت شينباوم، رئيسة بلدية العاصمة مكسيكو سابقا، على نسبة تتراوح بين 58 إلى 60 بالمئة من الأصوات متقدمة بأشواط على منافستها مرشحة المعارضة، سوتشيتل غالفيس، التي يقدر أنها حصلت على نسبة تتراوح بين 26 إلى 28 بالمئة من الأصوات في هذا الاقتراع الذي جرى من دورة واحدة على ما قالت رئيسة المعهد غوادلوبيه تاداي. وحصل المرشح الوسطي خورخي الفاريس ماينيس على نسبة بين 9 إلى 10 بالمئة من الأصوات.
ومن شأن فوز شينباوم بالرئاسة أن يمثل خطوة كبيرة للمكسيك في دولة معروفة بثقافتها الذكورية.
وخلال تجمع اختتمت فيه حملتها الانتخابية في مكسيكو الأربعاء، قالت كلاوديا شينباوم المدعومة بشعبية الرئيس المنتهية ولايته أندريس مانويل لوبيز أوبرادور (70 عاما) “سندخل التاريخ”. وأضافت مخاطبة المكسيكيات اللواتي ينددن بهيمنة المجتمع الذكوري “إنه زمن النساء والتغيير. ذلك يعني العيش من دون خوف والتحرر من العنف”.
فمن هي كلاوديا شينباوم؟
بين عامي 2000 و2006 كانت مسؤولة عن السياسات العامة في العاصمة مكسيكو سيتي في شؤون البيئة، بينما كان الرئيس الحالي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور عمدة المدينة الكبرى، ثم تم انتخابها على رأس “وفد تلالبان”، وهي منطقة في جنوب مكسيكو سيتي، قبل أن تفوز بانتخابات رئاسة البلدية عام 2018. وقد حظيت بالمنصب رغم مأساة مدرسة ريبسامين التي كانت تابعة لمنطقة تلالبان التي كانت تحت إشرافها، حيث أدى الإهمال في إسناد تراخيص البناء إلى مقتل 19 طفلاً وسبعة معلمين خلال زلزال عام 2017.
سجلت تراجعًا في شعبيتها خلال السنوات التي قضتها كرئيسة لبلدية مكسيكو سيتي إثر الانهيار المروع لخط المترو رقم 12 في 3 مايو/أيار 2021، مما أسفر عن مقتل 27 شخصًا وإصابة 79 آخرين. وقد كشف الحادث الناجم عن عيوب واضحة في البناء عن انخفاض شعبيتها بمقدار 20 نقطة في استطلاعات الرأي.
مع اختيارها كمرشحة للرئاسة لحركة التجديد الوطني، الحزب اليساري الحاكم، فرضت هذه الناشطة البيئية نفسها على المشهد السياسي المكسيكي دون أن تكون قد انضمت إلى الحزب الثوري المؤسسي أو حزب العمل الوطني، وهما الحزبان الرئيسيان الوحيدان اللذان حكما المكسيك قبل وصول أندريس مانويل لوبيز أوبرادور للسلطة عام 2018. وكان كلا الحزبين غارقين في الفساد الذي لم يعد أحد يحاول إنكاره بعد الآن. فيما وعد أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، الذي لم تقل نسبة الآراء الإيجابية عنه قط عن 60 بالمئة خلال فترة ولايته، بدعمها بصوته الحاضر باستمرار في الساحة الإعلامية، وبخاصة من خلال مؤتمراته الصحفية اليومية في السابعة صباحا ــ والتي تشكل إلى حد كبير عناوين الصحف.
سياسية تستمع للناس
كلاوديا شينباوم كانت أغلب نشاطاتها صباحية عندما كانت رئيسة بلدية مكسيكو سيتي. ثلاث مرات في الأسبوع، في تمام الساعة السادسة صباحاً، في قاعة كبيرة في دار البلدية – ولكن بحضور قليل للكاميرات – كانت تستقبل بنفسها السكان الذين يأتون ليصطفوا لعرض مشاكلهم عليها: المشاكل الإدارية المتعلقة بحساب معاشاتهم التقاعدية، المشاريع الفنية في الأماكن العامة، الطرقات العامة المتدهورة… لم يكن هناك أي حاجز، كان يكفي أن تحضر في وقت مبكر للحصول على واحدة من عشرات المواعيد المتاحة من أجل هذه الاجتماعات.
كانت كلاوديا شينباوم تستمع، وتدوّن الملاحظات، وتوجه الناس إلى مساعديها المتخصصين أو، عند الحاجة، توقظ موظفاً عبر الهاتف لتوبخه بشدة إذا تبين أنه لم يتصرف بشكل صحيح تجاه مواطن أو مواطنة. هذه المراقبة الدقيقة للمدينة التي كانت تديرها والاتصال المباشر مع سكانها عززت بشكل ملحوظ سمعتها كعاملة مجتهدة وإنسانية.
وقد اعتبر مراقبون في بداية بروزها أن العائق الحقيقي الوحيد أمام كلاوديا شينباوم في طريقها إلى الرئاسة كان متعلقا بصورتها الخارجية البعيدة عن السياسة الاستعراضية. فقد كانت تعطي انطباعا أنها تشبه المعلمة الصارمة، القليلة الابتسام، هذه الأم المطلقة، التي تقدم بكل سرور دروساً صغيرة في التاريخ أو فيزياء الغلاف الجوي في خطاباتها.
أصرت كلاوديا شينباوم على نشر بعض الشعارات التي يستخدمها رئيسها الذي تبناها بصوت عال، بأسلوب ديماغوجي: “يجب أن نديم ونعزز مبادئ التحول الرابع (الاسم الذي أطلقه أندريس مانويل لوبيز أوبرادور على برنامجه السياسي): عدم الكذب، عدم السرقة، عدم خيانة الشعب!” وهي شعارات سياسية واعدة في عالم سياسي غمره الإغراء وتكررت فيه الوعود الزائفة للناخبين. كلاوديا شينباوم، بدورها، تحاول البقاء على ما كانت عليه قبل دخولها السياسة كعالمة.
في الثمانينيات، اشتهرت مدينة مكسيكو بأنها المدينة الأكثر تلوثًا في العالم. خلال هذا العقد، درست كلاوديا شينباوم الفيزياء في جامعة أونام العامة حيث دافعت عن أطروحة البكالوريوس الخاصة بها حول كفاءة استخدام الطاقة في الأفران التي تعمل بالحطب. وفي ذلك الوقت، كانت تذهب أحيانًا مع الأصدقاء لتركيب أنظمة طهي أكثر كفاءة في المناطق الفقيرة بشكل خاص، مثل ميتشواكان. وظلت كفاءة استخدام الطاقة مجالها المفضل، وهو الموضوع الذي نشرت حوله فيما بعد العشرات من المقالات العلمية، والذي كتبت عنه جزءا من تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في عام 2007 ــ وهو العام الذي فاز فيه فريق الخبراء الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ بجائزة نوبل للسلام.
ستبدأ الفائزة فترة ولاية مدتها ست سنوات في الأول من أكتوبر /تشرين الأول 2024.