في أول زيارة دولة يجريها رئيس فرنسي لهذا البلد منذ نحو 24 عاما، وصل إيمانويل ماكرون الأحد إلى ألمانيا، سعيا لتخفيف التوتر والتحذير من مخاطر اليمين المتشدد قبيل انتخابات الاتحاد الأوروبي.
وهبطت طائرة ماكرون في مطار برلين. وسيسعى الرئيس الفرنسي خلال زيارته التي تستمر ثلاثة أيام وتشمل أربع محطات للتأكيد على الأهمية التاريخية للعلاقة ما بعد الحرب بين البلدين الرئيسيين في الاتحاد الأوروبي، في وقت تحيي فيه فرنسا الشهر المقبل ذكرى مرور 80 عاما على إنزال النورماندي الذي شكل بداية نهاية الاحتلال الألماني في الحرب العالمية الثانية.
ولطالما طغى التوتر على العلاقة التي تعد بمثابة محرك الاتحاد الأوروبي، إذ لم تُخفِ برلين امتعاضها من رفض ماكرون استبعاد إرسال قوات إلى أوكرانيا فيما يُقال إن المسؤولين الألمان لا يشعرون بالارتياح أحيانا حيال سياسات الرئيس الفرنسي الخارجية القائمة على الاستعراض في كثير من الأحيان.
ففي جلسة أسئلة وأجوبة مع الشباب على وسائل التواصل الاجتماعي في وقت سابق هذا الشهر، طلب ماكرون مساعدة من المستشار الألماني أولاف شولتز لدى سؤاله عمّا إذا كانت العلاقة بين فرنسا وألمانيا تسير بشكل جيّد.
وقال شولتز حينها في تصريحات بالفيديو نطقها باللغة الفرنسية على منشورات ماكرون على “إكس” “مرحبا أصدقائي الأعزاء، فلتحيا الصداقة الفرنسية الألمانية!”. ورد عليه ماكرون بالألمانية “شكرا أولاف! أتفق معك تماما”.
وعلى الرغم من أن ماكرون يزور برلين بشكل متكرر، ستكون هذه أول زيارة دولة منذ 24 عاما لرئيس فرنسي بعد تلك التي قام بها جاك شيراك العام 2000 والسادسة منذ أول زيارة دولة ما بعد الحرب قام بها شارل ديغول سنة 1962.
ومن المقرر أن تبدأ زيارة الرئيس الفرنسي بعد ظهر الأحد بمحادثات يجريها مع نظيره الألماني فرانك فالتر شتاينماير الذي يعد دوره فخريا إلى حد كبير بالمقارنة مع السلطة الواسعة التي تحظى بها الرئاسة الفرنسية.
ثم سيتوجه الثلاثاء إلى دريسدن بشرق ألمانيا لإلقاء خطاب عن أوروبا خلال مهرجان أوروبي. وبعدها سيزور ماكرون مدينة مونستر الألمانية ليتوجه لاحقا إلى ميزبرغ خارج برلين لعقد محادثات مع شولتز وحيث ينعقد اجتماع مشترك للحكومتين الفرنسية والألمانية.
وركزت صحيفة “فرانكفورتر ألغيماينه تسايتونغ” الألمانية على زيارة ماكرون المقررة إلى شرق ألمانيا.
وقالت “لطالما كانت العلاقات الفرنسية الألمانية المهمة للغاية بالنسبة للاستقرار الأوروبي بالدرجة الأولى علاقة مع ألمانيا الغربية”. مضيفة أن “هذا هو الحال الآن إلى حد كبير. لكن إيمانويل ماكرون مدفوع بالطموح لتغيير ذلك”.
“إيجاد طرق للتوصل إلى تسويات”
ويشار إلى أن هذه الزيارة تأتي قبل أسبوعين من حلول موعد الانتخابات الأوروبية حيث تُظهر الاستطلاعات أن ائتلاف ماكرون متخلّف بشكل كبير عن اليمين المتشدد وقد يواجه صعوبة في بلوغ المركز الثالث، وهو أمر سيشكل مصدر إحراج كبير للرئيس الفرنسي.
هذا، ويتوقع أن يحذر ماكرون خلال خطابه في دريسدن حيث يحظى حزب “البديل من أجل ألمانيا” بدعم كبير، من المخاطر التي يشكّلها اليمين المتشدد لأوروبا.
وكان قد وجه ماكرون، في خطاب مهم بشأن السياسة الخارجية الشهر الماضي، تحذيرا من التهديدات التي تواجهها أوروبا في عالم متغيّر غداة الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022.
وقال “أوروبا التي نعرفها اليوم قابلة للموت.. يمكن أن تموت ويعتمد الأمر على خياراتنا فحسب”.
لكن رفض الرئيس الفرنسي استبعاد إرسال قوات إلى أوكرانيا أثار ردا حادا بشكل غير معهود من شولتز جاء فيه أن لا خطط من هذا النوع لدى ألمانيا. كما أن برلين لا تشارك ماكرون حماسته لاستقلال استراتيجي أوروبي أقل اعتمادا على الولايات المتحدة.
وأوضحت هيلين ميار-دولاكروا المتخصصة في التاريخ الألماني لدى جامعة السوربون في باريس قائلة إن “العلاقة الفرنسية الألمانية قائمة على الاختلاف وإيجاد طرق للتوصل إلى تسويات”.
هذا، ويسعى مسؤولون من الطرفين للتأكيد أنه بينما يسود التوتر بين فترة وأخرى بشأن مسائل محددة، تبقى العلاقة الفرنسية-الألمانية مبنية على أسس متينة.