على مدى رحلات الحج عبر التاريخ، تواصل المملكة العربية السعودية منذ أمد بعيد تأمين رحلة الإنسان أو سفره نحو البقاع المقدَّسة؛ وتسهيل رحلاته البحرية والبرية؛ التي كانت تستغرق أشهراً من الحج إلى الحج حتى يصل الإنسان إلى مكة المكرمة، حيث كان لكل قافلة طريق وخطة وبرنامج شاق مختلف محفوف بالمخاطر؛ فيه الكثير من المعاناة والحماس والتجاوزات التي وثقها أهلها بصور مختلفة في طريقهم للحج ذهاباً وإياباً، وعلى الرغم من ذلك فقد امتثلت المملكة طوال تاريخها منذ 3 قرون على تلبية نداء الله تعالى بقوله: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} فمن تلك الفجاج البعيدة في أقاصي الأرض من مشرقها إلى مغربها سهلت المملكة وأكملت اهتمامها بحجاج بيت الله الحرام.
وتقدم المملكة إلى يومنا الحاضر ما لم يكن يتخيله الحاج في العصور القديمة عبر “مبادرة طريق مكة” لخدمة ضيوف الرحمن في تأمين وتسهيل إجراءات رحلة الحج التي كانت تستغرق التحضير لها أشهراً قبل انطلاق القافلة المحملة بالمؤن والهدايا والحماية، حيث أصبحت خدمات المملكة ُممكّناً للحاج رحلته إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة بكل يسر وسهولة، بتوفير كافة سبل الراحة والخدمات التقنية المتطورة سواء للقطاع البري أو البحري أو الجوي؛ التي تنقل الحجاج وهم محفوفون بروح الطمأنينة والسكينة.
فمن إسلام آباد عاصمة جمهورية باكستان وصف الشاب الدكتور طارق محمود وابن عمه محمد برفام حاج رحلة أجدادهما الطويلة للحج، وقال: “روى لنا والدنا عن جده حين المغادرة للحج هو وداع الأحباب لما يواجهونه في الرحلة من مخاطر جمة، حيث كانت الرحلة تستغرق قرابة 8 أشهر لقضاء مناسك الحج بعبور السهول والجبال والأنهار والمحيطات كما يحكي الشابان عن رحلة أجدادهما، مشيرين أن تجهيز الرحلة يتم بالسفن والقوافل البدائية لنقل الحجاج إلى مكة والحرمين الشريفين، وكانت الموانئ الواقعة على الساحل الغربي في الهند وباكستان، تنشط في موسم الحج لنقل الحجاج من بلدان آسيا الجنوبية وحتى آسيا الوسطى للسفر إلى جدة عبر بحر العرب ثم البحر الأحمر في السفن المخصصة القديمة لنقل الحجاج التي قد يهلك بعضها ويواجهون مخاطر كبيرة بسبب العقبات التي تواجههم”.
ولكن في الوقت الحالي أصبح الذهاب إلى الحج في المملكة العربية السعودية مشهدًا متطورًا للإنسان المسلم عبر التاريخ أولاً، لما يجده من وسائل الترويح والمواصلات بكافة أنواعها وألوانها، ونعيم في نواحي الحياة المختلفة أثناء الحج وجعلته المملكة أمرًا يسيرًا يحمل في ثناياه الأمان والطمأنينة، ولم يكن بهذه البساطة والسرعة منذ زمن بعيد في الإنجاز والعمل وتقديم الخدمة التقنية النوعية، إذ كان الحاج يتكلف مالاً كثيراً، ومشقة سفر تتجاوز الأشهر، حيث أقف أمامكم أنا وابن عمي ونحن نـسجل كافة الإجراءات في مبادرة “طريق مكة” ونجد فيها النجاح الملموس في إنهاء إجراءات سفر حجاج بيت الله الحرام في مدة وجيزة لا تتجاوز 35 ثانية للرحلة الواحدة.