أحيا مركز “فناء الأول” -بالتعاون مع المعهد الملكي للفنون التقليدية- تعاليم فن السدو ومراحله المتواترة حتى وصوله إلى هويته المعاصرة، وذلك من خلال ورشة “صباغة الألوان الطبيعية” وورش أخرى متخصصة في هذا الفن، احتضنها المركز خلال الفترة من 12 إلى 23 مارس بمقره في حي السفارات بالرياض.
وعمل المشاركون في الورشة على “صباغة الألوان الطبيعية”، وتكسية الصوف المتوهج بالأصالة والمغزول بالثقافة، ورغم إتاحة الحضور لكافة أفراد المجتمع، إلا أنه برز حضور العنصر النسائي السعودي بشكل لافت؛ ليتخذن طريقاً إلى الماضي، ويتتبعن سير من سبقهن في تصميم بيت الشعر منذ جمع الصوف وتنظيفه وتشذيبه، ثم غزله لتحويل الصوف الأبيض إلى ألوان متعددة حسب الذائقة الجمالية للمجتمع.
ونَصعت صبغات السدو في هذه الورشة: مثل “الكركم” و “الزعفران” و “الليمون الأسود”؛ المبتدَعة من بيئة الرُحل بوصفها مصدر إلهامهم، ومنبع فنونهم ونتاجهم الإنساني، وتلقف المتدربون مرحلة من مراحل صناعة هذا الفن؛ إذ سخّنوا الماء في وعاء، وأضافوا عليه مادة “الشبّة” لتثبيت الألوان التي مزجوها بها لاحقاً، وطَافت خيوط الصوف في هذا المزيج الثقافي المُلّون في مدة تتراوح ما بين 20 إلى 30 دقيقة، وأخرجوها وجففوها لتستعد للمرحلة التالية وهي: “البَرم”.
وكشفت السيدة فريدة عبدالعزيز إحدى المشاركات في الورشة عن حبها للأشغال اليدوية باعتبارها كاشفة عن روح الإنسان ومشاعره الفياضة، وذكرت أنها مارست هذا الفن أثناء ملازمتها للمشفى؛ لتبحث من خلاله عن وسيلة لصياغة مكنوناتها وتزجية وقت فراغها.
واستذكرت فريدة ابنتها الكبرى إبان طفولتها، التي كانت مولعة بالحرف اليدوية وسبر أغوارها، وقالت: “لم يستسغ المجتمع آنذاك هذه الأعمال، ووفقاً لذلك تغيّر مسار ابنتي من الفن إلى الطب، بخلاف ما نعيشه الآن من اطلاع على الماضي، وانبعاث لمظاهره الأصيلة في هذا العصر المزدهر”.
فيما حثّ حب الثقافة والموروث؛ الشابة عبير القحطاني على التوجه نحو الورشة، لتخوض تجربتها الأولى مع فن السدو، موقنةً بإمكاناتها في مزاولة هذا الفن وقتما تشاء -في منزلها- بعد تمكنها من حيثياته، وقالت: “تخصصي الأكاديمي هو التاريخ، وقد شجعني للتعمّق في الموروث الشعبي وعادات المجتمع؛ لأنني أرى ارتباطها الوثيق بتخصصي، إضافة إلى فاعليتها في تكوين شخصية وأفكار الأفراد”. موضحة بأن رغبتها تحتّم عليها استكمال معرفتها بموروث كل منطقة من مناطق المملكة كفن الخوص، والخزف، والنحت على الحجر.
يذكر أن الشراكة بين فناء الأول والمعهد الملكي للفنون التقليدية؛ تهدف إلى تقديم حزمة من الورش لمختلف أفراد المجتمع، وذلك ضمن إطار جهود وزارة الثقافة للاحتفاء بالعناصر الثقافية المُؤسِسة للهوية السعودية.