إعداد وحوار: عبدالرحمن الآنسي
هذا تفريغ لبعض أجزاء اللقاء الذي أجريتُه مع أستاذنا الفاضل د. أبي أوس إبراهيم الشمسان، ونُشِرَ في تاريخ 30/ 5/ 1444هـ في بودكاست (بهو الجامعة) http://tiny.cc/Unipod الصادر عن فريق ماهر الطلابي في كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة الملك سعود، وهو نادي طلابي تطوعي يسعى إلى اكتشاف مهارات الطلبة وتشجيعها وتنميتها واستثمارها، تحت إشراف د. إبراهيم بن عبدالرحمن الفريح.
وقد ألجأتنا طبيعةُ الكتابة إلى العدول عن بعض الأساليب الواردة في التسجيل المسموع إلى أساليب أخرى توافق أساليب الكتابة، وتؤدي المعنى نفسه. وأبحنا لأنفسنا التصرّف في ترتيب الكلام، فقدّمنا ما حقه التقديم، وأخَّرنا ما رأينا تأخيره، وربما استطرد الدكتور في شيء لم يسبق عنه سؤال، فأنشأنا له سؤالا مستقلا لتلتئمَ أجزاؤه. كل ذلك فعلناه لئلا يؤنِسَ القارئُ نُبُوًّا في سياق الكلام وانتظامه، ولا يتحيّر في فَهم كلمة تجري على ألسنة العامة في قُطْرٍ غير قُطْره، فلا يعرف المراد منها، ثم عرضناه على أستاذنا أبي أوس ليطلع عليه. نسأل الله أن يوفقنا لصالح القول والعمل، والحمد لله وحده.
حدثنا عن نشأتك في بلد المذنب في منطقة القصيم، ودراستك الابتدائية والمتوسطة فيها.
المذنب بلد محاط بعدد من الضواحي، وأنا من إحدى هذه الضواحي. كنا نتنقّل بين ضاحيتين: ضاحية (نَبْعَة)، وضاحية (المُرَبَّع). وضاحية المربّع مشهورة في التاريخ، وقعت فيها معركة اسمها (مناخ المربع) بين عنزة ومطير إن لم تخنّي الذاكرة. لا أعلم أين ولدت في هذه أم في تلك، المهم أنني بدأت دراستي الابتدائية في (نَبْعة).
المذنب لم يكن فيه إلا أربع مدارس: بلد المذنب كانت فيها المدرسة السعودية، وضاحية العين كانت فيها المدرسة العزيزية، وضاحية الشورقيّة كانت فيها المدرسة الفيصلية، وضاحية نَبْعَة كانت فيها المدرسة الخالدية. بدأتُ دراستي في المدرسة الخالدية، فدرستُ السنة الأولى وجزءًا من السنة الثانية، ثم انتقلَتِ العائلةُ إلى المذنب بسبب ظروف عمل إخوتي، فأخي الكبير محمد أطال الله بقاءه حينما تخرج من السنة السادسة الابتدائية عُيِّن معلمًا، وأخَوَيّ: رُشَيد وعبد الله يَدرُسان في معهد تعليم المعلمين، فكان لا بد من الانتقال. فانتقلنا هناك، والتحقتُ بالمدرسة السعودية فأعادوني إلى السنة الأولى، ودرستُ فيها الابتدائية والمتوسطة.
أريد أن أشير في هذه المرحلة إلى شخصية مهمة جدا في تعليمي، وهو أخي رُشَيد رحمه الله. علَّمَنا رُشَيدٌ القواعد ودرّسَنا المطالعة، وكان معلما متميزا، متميزا في قدرته على إيصال المعلومة وأيضا في لطف تعامله مع الطلاب، حتى عقاباته كانت لطيفة جدا، بل إن المعاقَب يتلقاها بسرور، ليس فيها ألم لكنها تُشعِر الطلاب بالاهتمام بعد ذلك. أذكر أنه في اختبار السنة السادسة الابتدائية، وهذا كان اختبارا مهما جدا، كانت الأسئلة تأتي من وزارة المعارف بظرف سري. في ذلك اليوم جمع أخي رُشَيد جميعَ طلاب المذنب، وألقى عليهم درسَ مراجعةٍ للقواعد. مجانا، ومن دون أن يكلفه أحد. وهذا شيء نبيل.
وأريد أن أشير أيضا في المرحلة المتوسطة إلى شخصية أخرى أثّرت في مسيرتي في الدراسة، بل ربما هو الذي كان له الفضل في توجيهي إلى الاستمرار في دراسة اللغة العربية، وهو أستاذ سوداني، اسمه عبد القادر محمد محمد علي. كان حفيًّا بما أكتبه من موضوعات الإنشاء، كان يقرأها على الطلاب، وأذكر أن أولَ موضوعٍ كتبتُه؛ قرأه على الطلاب. وكان يوجِّهُني إلى قراءة الكتب، فأُلخِّصُ الكتب التي يوجِّهُني إليها ثم أعرضها عليه، وكان يشجعني تشجيعا كبيرا. فكان له الأثر، بعد ذلك، في أنني بعدما تخرجت من الثانوية في الرياض -وتخرجتُ في القسم العلمي-، وقدّموا لي استمارة التخرج، كتبتُ في خانة (الكلية التي يريد الطالب أن يلتحق بها): كلية الآداب. وأذكر أن الأستاذ عبد الرحمن الميمان، وهو يسلمنا الوثائق، لمح اسم الكلية في استمارتي، فتعجّب، وقال لي: هل أنت تريد كلية الآداب لأنها أسهل؟ قلت: لا، ولكني اخترتها عن رغبة ومحبة.
الأستاذ عبد القادر محمد محمد علي، هذا الاسم وضعتَه في الإهداء الذي صدَّرتَ به رسالتك للماجستير، صحيح؟
نعم نعم، رأيتُ -عندما أنهيتُ رسالة الماجستير- أن أُهدِيَ الرسالة له هو، فلم أُهدِها إلى والدي ولا والدتي ولا أخي ولا إلى أي أحد آخر، أهديتُها إلى هذا المعلم الذي كان له التأثير الكبير عليّ في المرحلة المتوسطة.
قلت إنك درستَ الثانوية في الرياض، لماذا لم تكمل الثانوية في المذنب؟
درستُ الثانوية في الرياض؛ لأنه ليس عندنا في المذنب مدرسةٌ ثانوية، فانتقلتُ إلى الرياض مع أخي الكبير للدراسة. ودرستُ في الثانوية في القسم العلمي، لأن العادة جرت على أن الذي يتخرج من السنة الأولى في الثانوية؛ يُصنَّفُ إن كانت درجاته عالية في القسم العلمي وإن أراد القسم الأدبي حول إليه، وإن كانت درجاته دون ذلك ألحقوه في القسم الأدبي. فاخترتُ الدراسة في القسم العلمي لأني لم أكن أواجه صعوبة فيها، وتجنبا لمقرَّرَيْنِ في القسم الأدبي نفسي لا تميل إليهما، هما: الجغرافيا والتاريخ.
إذن درست البكالوريوس في كلية الآداب بجامعة الملك سعود في الرياض، بودنا لو تُحدِّثَنا عن أبرز الأساتذة الذين اتصلت بهم في هذه المرحلة.
مِن أبرز أسماء مَن درسوني في هذه المرحلة، أستاذي -صاحب المعالي الآن- د. أحمد بن محمد الضبيب. كان عليه تدريسنا (الأدبَ الجاهلي)، فاستعدادا لهذا المقرر مضيتُ واشتريتُ كتاب شوقي ضيف عن الأدب الجاهلي، وبدأت أقرأ فيه، ولكن حين دخل علينا د. أحمد في أول محاضرة؛ كان يحمل معه كتابَ شرح المعلقات للزَّوْزَني، وقال لنا إن العمل الأساسي الذي سنعمله في هذا المقرر: هو قراءة المعلقات وشرحُها. فأوقَفَنا على الشعر الجاهلي مباشرة. والشعر الجاهلي ليس بالشعر السهل، فكنا نجد صعوبة بالغة في تفهّم هذا الشعر وفي التحدث عنه. وقد طلب منا أن نكتب عن كل قصيدة من قصائد المعلقات تقريرًا، وبعد ذلك يأتي كل طالب ويقرأ تقريره على الطلاب، وبقية الزملاء ينتقدون التقرير ويناقشونه.
والمواقف كثيرة مع أستاذنا د. أحمد، من ذلك مثلا أنه كلّفنا مرةً بفهرسة أحد دواوين الشعراء الجاهليين، فتخيَّرْتُ ديوان امرئ القيس، وفهرستُه. وفي ذلك الوقت لم يكن عندنا آلات تصوير فلم يكن متيسرا لي أن أُنشِئَ نسخةً أخرى من البحث، ولو أردتُ نَسْخَ البحثِ كاملا في أوراق أخرى أحتفظ بها لاستغرق مني الوقت والجهد، فسلّمتُ إليه البحث دون أن يتيسر لي الاحتفاظ بنسخة أخرى منه. وطريقة الفهرسة كانت: رَصْدَ كلِّ كلمة، وكلِّ حرف، حتى حرفِ الواو وإلى ومن ونحوها، ثم الإحالة إلى مواضعها في الديوان. واعتمدتُ في فهرسة الديوان على طبعة دار المعارف بالقاهرة بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم. المهم أني سلّمتُه البحث. وبعد سنوات طويلة جدا، تقريبا أكثر من أربعين سنة، زار رئيسُ مجمع اللغة العربية بالقاهرة الرياض، فدعاه د. أحمد الضبيب إلى منزله للعشاء، ودعاني، فذهبتُ. وبعد العَشاء رأيتُ د. أحمد يفاجئني بمُغلَّفٍ، حينما فتحتُه وجدتُ هذا الفهرس الذي صنعتُه وسلمته إليه قبل أكثر من أربعين سنة! وقد نشرتُ البحث على الشابكة، فهو متوفر الآن عليها بخط يدي لمن أراد الاطلاع عليه.
ومثل هذا الأمر حدث مع أستاذي الآخر د. حسن شاذُلي فرهود، الذي درَّسَنا النحو في السنة الأولى من دراستنا في كلية الآداب، قبل أن نختار التخصص. وكلَّفنا أبحاثًا لأعمال السنة، فكان البحث الذي كُلِّفتُه: معاني حروف الجر. فكتبتُ البحث وسلّمتُه إليه، قرأت القرآن كاملًا واستخرجت المعاني، لم أكن أعرف في ذلك الوقت كتب معاني الحروف. وقال لي حينها: تعالَ عندنا في قسم اللغة العربية، فقلتُ له: أنا لم آتِ إلى كلية الآداب أصلا إلا لألتحق بقسم اللغة العربية. وقبل وفاته -رحمه الله- بسنتين ربما، وكنت أختلف إليه في منزله بين حين وآخر، فوجئتُ به يأتي لي ببحث (معاني حروف الجر) الذي أدّيتُه إليه في أول سنة لي في كلية الآداب، ويقول: أنا محتفظ به ولا أزال أستفيد منه حتى الآن! فسألتُه أن أحتفظ بالبحث عندي، فلم يُرِدْ أن يتخلّى عنه، وقال: خُذْه وصوِّرْ منه نسخةَ تحتفظ بها، ثم أعِدْه لي، ففعلتُ ذلك.
ما دمتَ ذكرتَ د. حسن شاذُلي فرهود، فإننا علمنا أنه كان يحثك كثيرا ويوجّهك إلى أن تُسهِم في تحقيق التراث بسهم تحمده لك العربية وأبناؤها، كأنه رأى فيك الكفاية والضبط اللذين يرشِّحانك إلى المضي في هذا الباب بقدم راسخة، لكنك لم تشتغل بأي عمل في التحقيق، فما السبب في ذلك؟
نعم صحيح، في كل زيارة كنتُ أزوره في بيته، وأجلس إليه في مكتبته؛ كان يقترح عليّ أن أعمل في التحقيق، لكنني كنتُ دائما أُبدي رغبتي عن ذلك. والسبب في ذلك أنني لم أُجَرِّبْ قبل ذلك التحقيق، وأيضا لأن الإنسان قد يسلخ من عمره زمنا يحقق فيه كتابا، ثم يُفاجَأُ بأن شخصًا آخرَ قد حقَّق ما حقّقه. أذكر أنه في وقت من الأوقات كان أستاذنا د. أحمد الضبيب يحقق كتابَ (الأمثال) لأبي فَيْدٍ مؤرِّجٍ السَّدُوسِيِّ، وفي الوقت نفسه كان يشتغل في الكتاب ثلاثةٌ آخَرون، منهم رمضان عبد التواب الذي كان يعمل في الجامعة نفسِها، فخاطب د. أحمدُ الاثنين الآخَرَين فتوقَّفَا عن العمل، أما د. رمضان فكان قد قطع شوطًا في تحقيق الكتاب فشقَّ عليه إلغاؤه، فأمضى عملَه، وخرج الكتاب بتحقيقَيْن. ثم إن في جمع المخطوطات والصبر على قراءتها وتحقيقها مشقَّةً كبيرة جدا، لم أتوفَّر لها.
عندما أنهيتَ البكالوريوس قُبِلتَ معيدًا في جامعة الملك سعود، وفي مرحلة الإعادة كان لك اتصال وثيق بالدكتور رمضان عبد التواب، حدثنا عن ذلك.
في سنة الإعادة كان الدكتور رمضان عبد التواب قد تعاقد مع الجامعة للعمل فيها، وكنا نجلس في مكتب واحد. كانت الجامعة في الملز، في ذلك الحين، قبل أن تنقل إلى هذا المبنى العظيم الذي يتيح لكل شخص مكتبًا خاصا به. في المبنى القديم كان كل ثلاثة يجتمعون في مكتب واحد، فقُدِّرَ لي أن أكون مع د. رمضان عبد التواب. فكانت تجري بيننا أحاديث. وهو رجل عالِمٌ كبير. وأصبح صديقا، وكنت أُقِلُّه بالسيارة وأُوصِلُه إلى بيته. واستفدتُ منه ومن علمه، وزُرتُه في بيته، وزرتُه في مصر كثيرا. وهو مَن سعى في قَبُولي في جامعة القاهرة، لأن عميد الكلية آنذاك كان زميلا له، وهو السيد يعقوب بكر، فأرسل له خطابا بقَبُولي، فابتُعِثتُ هناك لدراسة الماجستير.
لا بد أنك لقيتَ بعض كبار العلماء في القاهرة فترةَ دراستك هناك، وأنت درستَ الماجستير والدكتوراه أيضا في القاهرة، فمن أبرز الأسماء الذين اتصلت بهم؟
الأساتذة في القاهرة علمهم غزير، تجد الأستاذ منهم يدرِّسُ الأدب -مثلا- ولكنه قادرٌ على أن يدرس غير الأدب. مثلا د. يوسف عبدالقادر خليف رحمه الله أستاذٌ معروف في الأدب، كتب عن الشعراء الصعاليك دراسة معروفة، وله مؤلفات في الأدب، لكنه مع ذلك كان يدرِّس الحديث.
كذلك د. محمد شكري عيّاد، وهو كاتب قصة قصيرة، وقد درّسنا قبل ذلك في جامعة الملك سعود في مرحلة البكالوريوس. وهذا الأستاذ عبقري! كان يجلس إلينا في الفصل ويُملي علينا إملاءًا من صدره، من دون ورقة، ويكتب كتابة رصينة جدا، كأنه يقرأ من كتاب. في أحد الأيام احتاج أن يُترجمَ لنا نصًّا من كتاب إنجليزي، ففتح الكتاب وترجم مباشرة، يقرأ النص الإنجليزي ثم يملي علينا ترجمته بلغة رصينة، ونحن نكتب، فكنا نعجب من تمكُّنِه.
وممن اتصلتُ به واستفدتُ منه د. محمود فهمي حجازي، وهو المشرف على رسالتي للدكتوراه. والدكتور محمود أستاذ لكل الناس، إذا ذهبتَ إلى بيته وجدت المجلسَ عنده مليئًا بالطلاب من مختلف الأماكن، هذا طالب من جامعة عين شمس، وهذا من الإسكندرية، وهذا من الخارج من الأردن وهكذا. وكان يجلس معهم ويُقبِل عليهم، وأحيانا يجالسهم إلى آخر الليل، وأحيانا إلى الفجر ولا يُبدي تضجّرا أو استياء. وأذكر مرة أنني عانيت من مرض، فعلم بذلك د. محمود فأتى إلي في البيت، وأخذني إلى طبيب زميلٍ له في جامعة القاهرة (د. محمد البتنوني)، وكان لا بد من إجراء عملية، فقال لي إنه على استعداد بأن يتكفَّلَ برسوم هذه العملية، فشكرتُه على ذلك، وقلت إنّ الملحقية الثقافية بسفارة بلدي تتكفل بأمرها. كان هذا موقفًا من مواقفه الإنسانية العظيمة.
واتصلتُ أيضا بالدكتورين: النعمان القاضي، وعبد الصبور شاهين، لأنهما كانا المناقشَيْنِ لرسالتي للدكتوراه.
وكان الأساتذة هناك يرحِّبون بأي زائر، ما كنا نجد غضاضة في الذهاب إليهم في بيوتهم في أي وقت، ولا نحتاج أن نضرب المواعيد لذلك، نذهب متى ما أردنا فإن وجدناهم؛ فبها، وإلا رجعنا وكرّرنا الزيارة في وقت آخر. فكان الأمر متيسّرا جدا.
هل اتصلتم بالأستاذ محمود شاكر؟
أنا ذهبتُ إلى القاهرة وفي ذهني انطباع عن الأستاذ محمود شاكر، هذا الانطباعُ كان سببُه أستاذنا د. محمد لطفي الصبّاغ رحمه الله. وكان درّسَنا هنا في جامعة الملك سعود البلاغةَ وعلومَ القرآن وعلومَ الحديث، في مرحلة البكالوريوس قبل أن أذهب إلى القاهرة. فقد تحدّث معنا مرة عن الأستاذ محمود شاكر، وقال إنه شديد، وفيه شيء من الشراسة، وذكر لنا أشياء لا أستطيع أن أذكرها الآن. المهم أن هذا جعلني أتخوّف وأتحرّج من أن أزوره. ولكن بعد أن تزوجتُ، حدّثتني زوجتي (وسمية عبدالمحسن المنصور) أنها حين اختارت موضوعا لرسالة الماجستير، وكان: (صِيَغُ الجموع في القرآن الكريم)، ذهبَتْ تستشير فيه محمود شاكر، فلم يعجبه العنوان وقال لها: أنتِ هَتْهَبِّبي إيه؟! بهذا اللفظ، يسخر منها. طبعا لم يكن هذا مشجِّعًا لها. ولكنها مضت في عملها، وأَنجَزَتِ الرسالة، ولما حُدّد وقت المناقشة، قالت لي: سأذهب لأدعُوَه، ليرى ماذا هبّبتُ! وطلبت مني أن أرافقَها. فذهبتُ معها، وكانت هذه هي المرةَ الأولى التي أدخل فيها بيت الأستاذ محمود شاكر. وبيته شقّة، لكنها شقة عجيبة جدا، إذا فُتِحَ الباب لا ترى جدران الشقة، لأنها مكسوة كلُها بالكتب، من أول الباب حتى آخر الشقة، كلُّها مستورةٌ بالكتب، أي إن الشقة كلَّها مكتبةٌ، فتخيّلْ هذا! وكانت شقته ناديًا للطلاب، فكثيرٌ من الطلاب كانوا يأتون ويتعلَّمُون في هذه المكتبة، د. عبد الله العُسَيْلان كان يتردد كثيرا إلى هناك، وكذلك د. ناصر الدين الأسد كَتَبَ رسالته (مصادر الشعر الجاهلي) في بيت محمود شاكر. المهم، دخلنا إليه واستقبَلَنا بلُطفٍ، وشرحَتْ له الموضوع، فشكرها ووعدها خيرا. ويوم المناقشة كان العلامة محمود شاكر في الصف الأول في القاعة، حتى إن المناقشِين حين لمحوه نزلوا من المنصة وسلّموا عليه.