أتمَّ ماسك صفقةَ الاستحواذِ على تويتر بقيمة 44 مليار دولار في شهر تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي، بعد خلافٍ قانونيٍّ مطوَّلٍ حاولَ فيهِ التراجعَ عن الصفقة، إلّا أنّهُ عادَ وغيَّرَ رأيَهُ واختارَ المُضيَّ قُدُماً.
كثيرةٌ وغريبةٌ هي الأمور التي رافقت استحواذَ رجل الأعمال الأميركيّ أيلون ماسك، على “العصفور الأزرق” أو منصّةِ تويتر، وفي فترةٍ قصيرةٍ استطاعَ ماسك أن يكون محورَ الإعلامِ العالميّ ومدارَ جدلٍ بين السياسيّين والكُتّاب والإعلاميّين، والمتخصِّصين في العالمِ الرقميّ وعالمِ التواصلِ الاجتماعيّ، والمستخدِمين العاديّين، لدرجةِ أنّ بعضَهُم ذهبَ إلى التساؤلِ حولَ مصيرِ المِنصَّة بعد تسلُّم إدارتِها من قِبَل ماسك الذي اعتاد القيامَ بأمورٍ غريبةٍ بهدفِ لفتِ الأنظار، وما دخولُهُ إلى مقرّ تويتر حاملاً “حوض مغسلة” إلّا أكبر دليلٍ على ذلك.
بدايةً لا بدّ من التعرُّف سريعاً إلى أيلون ماسك وكيف استحوذ على منصَّة تويتر؟
هو أحد أغنى رجال العالم، مهندسٌ ومخترعٌ ومليارديرٌ أصلُهُ من جنوب أفريقيا، برزَ نجمُهُ من خلالِ شركة “سبيس أكس” الّتي يشغَلُ منصبَ المديرِ التنفيذيّ فيها، والّتي أَطلقت في فبراير/شباط 2018 أقوى صاروخ في العالم. أسّس شركاتٍ ضخمةً جعلتْهُ مليونيراً، أبرزها شركة “أيكس دوت كوم”، وهي شركةٌ ماليّةٌ تُتيحُ للمُستخدِم خدماتِ الدفعِ عبرَ الإنترنت، وشركةُ تصنيعِ السيّاراتِ الذكيّة المشهورة “تيسلا موتورز” عام 2003.
أتمَّ ماسك صفقةَ الاستحواذِ على تويتر بقيمة 44 مليار دولار في شهر تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي، بعد خلافٍ قانونيٍّ مطوَّلٍ حاولَ فيهِ التراجعَ عن الصفقة، إلّا أنّهُ عادَ وغيَّرَ رأيَهُ واختارَ المُضيَّ قُدُماً.
لمْ تنلْ خطواتُ ماسك الأولى الّتي اتَّخذَها في المنصَّة أو الّتي أعلن عنها رِضا الموظَّفين والمستثمرين بشكلٍ عامّ، ما خلقَ حالةً مِن الضبابيّة حول مصيرِ المنصَّة، فمنذُ سيطرتِهِ الكاملة على شركة تويتر وطردِهِ بسرعةٍ لِلمُديرينَ التنفيذيّين والرئيس التنفيذيّ فيها، وحلِّ مجلسِ الإدارة وتعيينِ نفسِهِ الرئيسَ التنفيذيّ، بدأ ماسك بإعلانِ مجموعةٍ من القراراتِ والمشاريع المستقبليّة لمنصَّةِ تويتر بأسلوبٍ غيرِ مسبوقٍ بواسطةِ عمليّاتِ استفتاءٍ للمستخدِمين بخصوص ما يقترحُهُ من تغيُّراتٍ عبر حسابِهِ على المنصَّة، وتميَّزَ بحضورٍ طاغٍ عبرَ التغريدِ والردِّ السريعِ على الانتقاداتِ والطلباتِ والاقتراحاتِ المختلفة، لدرجةٍ أنّه غيَّرَ التعريفَ عن نفسِهِ على حسابِهِ الخاصّ، واصفاً نفسه” بمُشغِّلِ الخطِّ السّاخن لشكاوى تويتر””Twitter Complaint Hotline Operator”، واضعاً صورة طفلٍ يحمل سمّاعةَ هاتف.
وإلى جانب صرفِهِ الكثيرَ من العمّال في تويتر، وإعادة بعض حسابات اليمين المتطرِّف، وحجب حسابات صحافيّين، ما هي أبرز الخطوات الّتي اتّخذها:
من أغربِ الخطواتِ الّتي قام بها ماسك، هي الاستقالة من رئاسةِ مجلسِ إدارة تويتر، في 19 كانون الأوّل/ ديسمبر 2022، وذلك بعد أن أيّد مستخدمو المنصَّة ذلك، على ما أظهرت نتائجُ استطلاعٍ أطلقهُ ماسك، تعهّد فيهِ الالتزامَ بنتيجتِهِ الّتي بيّنت أنّ 57,5 في المئة أيّدوا تنحّي ماسك عن رئاسةِ مجلسِ الإدارة.
ومن أغربِ الخطوات وأكثرها جدلاً كان إعلان أيلون ماسك البدءَ باستيفاءِ رسوم 8 دولار في الشهر من المستخدِمين مقابلَ شارةِ التحقُّق الزرقاء، ولم تسلمْ هذه الخطوة من استهزاءِ المُغرِّدين، الَّذين اعتبروا أنّ أغنى رجل في العالم يتسوّل 8 دولارات لدفعِ فوائد القروض لمالٍ اقترضهُ لشراءِ منصَّةٍ بسعرٍ أعلى بكثير ممّا تستحقّه.
من جهةٍ أخرى، تَسبّبَ فتحُ علاماتِ التوثيق المدفوعة في تويتر بفوضى عارمة في المنصّة، حيث انتحلت حساباتٌ كثيرة أسماءَ شخصيّاتٍ شهيرة وشركاتٍ كبرى، وأدلتْ تلك الحسابات بتصريحاتٍ كاذبةٍ استغلالًا لحصولِها على التوثيق.
اقتراحُ أيلون ماسك جَعلَ تويتر ملاذاً لـ”حريّة التعبير”، لا يزال غير واضح المعالم في كيفيّةِ تنفيذِهِ، فقد أكّد الأخيرُ مراراً أنّه سيتأخَّر عن اتِّخاذِ القراراتِ بشأنِ المستخدِمين المحظورين، إلى حين التشاور مع مجلسٍ من الخبراءِ الخارجيّين، كما أعلن عن إنشاءِ “مجلسٍ للإشرافِ على المحتوى” Twitter content moderation council على نسقِ ما قام به مارك زوكيربيرغ Facebook Oversight Board، وطلب ماسك من فريقِ الموظَّفين المسؤولِ عن المحتوى بمراجعةِ سياسةِ السلوكِ المتعلّقِ بالكراهيّة؛ ومن غير الواضح ما إذا كان يريدُ إعادةَ صياغةِ السياساتِ أو إزالةَ القيودِ بالكامل.
يبدو أنّ منصّةَ تويتر بدأت بتطبيقِ نوعٍ من “التحقُّق الجماعيّ” من الأخبارِ المنشورةِتَحمِلُ مُسمّى community notes feature أي “ميزة ملاحظات المجتمع”تُتيحُ للمغرِّدين إضافة تصنيفاتٍ ومراجعاتٍ للتغريداتِ الّتي تحظى “باهتمامٍ عامٍّ واسعِ النطاق”. وقد أجبرت مجموعةٌ من المستخدمين، في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، إدارةَ الرئيس الأميركيّ جو بايدن على حذف تغريدة من الحساب الرسمي للبيت الأبيض، تُشيد بالزيادةِ الكبيرة في مدفوعات الضمان الاجتماعي.
وألمحَ ماسك إلى رغبتِهِ في تحويلِ تويتر إلى ما أسماهُ “تطبيقُ كلّ شيء”، مثل تطبيق “وي شات” (WeChat) الشهير في الصين الذي يُقدِّمُ كلَّ شيءٍ بدءاً من الخدماتِ المصرفيّة وصولاً إلى الدردشة.
فورَ إتمامِ الصفقة مع ماسك، غادرَ الرئيسُ التنفيذيّ والمديرُ الماليّ لتويتر منصبيهما، إلّا أنّ قرارَ الملياردير الأميركيّ بتخفيضِ عددِ الموظَّفين وزيادةِ ساعاتِ العملِ تحتَ ذريعةِ خفضِ التكاليف، أثار موجةَ غضبٍ عارمة في صفوفِهِم وصفها بعضُهُم بالـ “تسونامي”.
وقد تمّ رفعُ دعوى قضائيّة جماعيّة ضدّ تويتر مِن قِبَل موظَّفيها، الذين لفتوا إلى أنّ الشركة تُجري عمليّاتِ تسريحٍ جماعيّ للعُمّال مِنْ دون تقديم إشعارٍ مسبَقٍ ما يُعتبَرُ انتهاكاً للقانون الفدراليّ وقانونِ ولايةِ كاليفورنيا.
بعد خطوات ماسك الّتي وُصِفت بـ “العشوائيّة” شهدَ موقعُ “تويتر” فرارَ العديدِ مِن المعلِنين وسطَ مخاوف بشأنِ نهجِ ماسك في مراقبةِ التغريدات، كما حامتِ الشكوكُ حولَ قدرته على دفعِ الفائدة على ديونٍ بقيمةِ 13 مليار دولار أخذها لشراءِ شركةِ التواصل الاجتماعي.
أضفْ إلى أنّ أحدَ أكبرِ المخاطرِ الّتي تُهدِّدُ رؤيةَ ماسك لـ”تويتر 2.0″ (Twitter 2.0) هو احتمالُ أن تنتهِكَ تغييراتُهُ تعليماتِ شركتَي آبل أو غوغل، فقد اشتكى ماسك في تغريدةٍ من رسومِ متاجر التطبيقات الّتي تفرضُها غوغل وآبل على شركاتٍ مثلَ تويتر.
كما يعلمُ ماسك جيِّداً قوّة وقدرة آبل وغوغل على وضعِ عثراتٍ أمام خططهِ، عبرَ تأخيرِ ظهورِ الإصداراتِ وإحداثِ فوضى عند إطلاقِ ميزاتٍ جديدة، أو إزالة التَّطبيقات لأسبابٍ مختلفة، مثل المشكلاتِ المتعلِّقة بأمانِ التطبيق وما إذا كان يتوافقُ مع القواعدِ الأساسيّة للشركتين.
قد يكون ما قدَّمناه غيضٌ من فيضِ التغييرات الّتي سيجريها ماسك في تويتر، والّتي لا يُمكِن مجاراتُها لأنّها تتطوَّرُ يوميّاً وبسرعةٍ قياسيّة، لذا الأجدى بنا أن ننتظرَ ونراقبَ، فإمّا تكون هذِهِ بدايةَ نهايةِ تويتر، وإمّا سيحملُ ماسك هذه المنصَّةَ معهُ إلى مزيدٍ من النجاحات.