رعى صاحب السمو الأمير جلوي بن عبدالعزيز بن مساعد أمير منطقة نجران مساء اليوم، حفل تدشين مبادرة “أخذ الفتوى من مصادرها المعتمدة”، الذي تنظمه الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، برعاية سماحة مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء الرئيس العام للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ، وذلك بقاعة الأمير مشعل بكلية التقنية، ويستمر ثلاثة أيام.
وبدأ الحفل بآيات من القرآن الكريم، ثم ألقى مدير عام فرع الإفتاء بمنطقة نجران أحمد المدخلي كلمة نوه خلالها بالدعم الذي يحظى به فرع الإفتاء من سمو أمير المنطقة وسماحة المفتي العام، والمتابعة الدؤوبة من معالي نائب المفتي للشؤون التنفيذية الشيخ فهد بن عبدالعزيز العواد، ليؤدي رسالته السامية في خدمة أبناء المنطقة وبث الجانب التوعوي والإرشادي الذي يحتاج إليه الجميع في جانب الفتوى وشؤونها.
تلا ذلك كلمة لسماحة مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للفتوى ألقاها نيابة عنه مدير عام الإدارة العامة للفتوى الشيخ وليد السعدون قال فيها: (إن اللهَ تعالى خلقَ الخلقَ لحكمةٍ عظيمةٍ وغايةٍ حميدةٍ، وهي عبادَتُه تباركَ وتعالى، ومعرفتُهُ بأسمائهِ وصفاتهِ، وأمرهمْ بذلكْ، فمن انقاد، وأدى ما أُمِرَ به، فهو من المفلحين، ومن أعرضَ عن ذلكَ، فأولئك هم الخاسرون قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}، فاللهُ جل وعلا لم يَخلقْنا عبثاً ولم يتْرُكْنا هَملاً قال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ. فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ}، وقال تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً}، والعبادةُ كلُ ما يحبهُ اللَّهُ ويرضاه، من الأقوالِ والأعمالِ الظاهرةِ والباطنةْ، وجِماع العبادة: كمالُ الحب للَّه، مع كمالِ الذلِّ له سبحانه تعالى. وهذه العبادة لها ركنان: الإخلاص ُ والمتابعةُ، قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}، وأما المتابعة فهي المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم بطاعته فيما أمر و تصديقُه فيما أخبرْ، واجتنابِ ما نهى عنه وزجرْ، وألا يُعبَدَ اللهَُ إلا بما شرع.
وأضاف: إنّ منَ الطاعةِ للرسولِ صلى الله عليه وسلم توقيرَ أهلِ العلمِ الربانيينَ الملتزمينَ بالنهجِ القويمْ، فهم ورثةُ النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه في تبليغِ دينِ الإسلامِ وتبيينِ أحكامِهِ، وتطبيقِ شرعهِ، قال صلى الله عليه وسلم: (إن العلماءَ هم ورثةُ الأنبياءِ وإن الأنبياءَ لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا وإنما ورّثوا العلمَ، فمن أخذهُ أخذَ بحظٍ وافرْ)، لذا عظّم اللهُ شأنَ الفتوى وتولاّها بنفسهِ في بعضِ مسائلِ الشرعِ لبيانِ مكانةِ الفتوى، قال تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ}، وقال تعالى:{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ ۖ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ}، وغيرها كثير في كتاب الله جل وعلا.
وبين أن مقامُ المفتيّ شأنهُ عظيمٌ وقدرهُ رفيعٌ، فهو مُبَلّغٌ عن ربِ العالمينْ، قال الله تعالى: {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون}،
وأوضح أن الله حذّر من الفتوى بغير علم فقال تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}، وحذر العلماء من التساهل في الفتوى على غير سَنَن الشرع، وما ذلك إلا لضَرَرِها وخَطَرِها على الفردِ والمجتمعْ، فلا تُؤخذُ الفتوى إلا من أهلِ العلمِ الراسخين فيه، قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}، وقد حذّر العلماءُ من المفتي الضّال، الذي يُفتي بهواه، وكم في الأمة من أمثال هؤلاء ممن يسْعَونَ بفتاواهمْ إلى إخراجِ الأمةِ من تَميُّزها بدينها والتزامِها بشرعها، إلى الضّلال والضياعْ، كحالِ فتاوى الغُلوِّ ممن يُكفِّرون المجتمعاتِ المسلمةِ، أو يسعْونَ إلى تفريقِ الأمةِ وتمزيقِ وحْدَتِها، وقد قيّض الله لهذه الدولةِ المباركةِ المملكةِ العربية السعودية، قيادةً حكيمةً، وحكومةً رشيدةً، حفظت لهذه الدولة وحْدتها والتزامها، ووقفتْ في وجهِ كلّ ضالٍّ ومُضل منذُ عهدِ المؤسسِ الملكِ عبد العزيزَ بن عبد الرحمن آل سعود (طيّب اللهُ ثراه) حتى عهدِ خادمِ الحرمينِ الشريفين الملكِ سلمان بن عبد العزيز آل سعود وولي عهده وعضيده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود حفظهما الله، وقد لقيت الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء ممثلة في هيئة كبار العلماء، واللجنة الدائمة للفتوى كل دعم وعناية من لدن خادم الحرمين الشريفين وولي عهده بشأن الفتوى والمفتين، وقد صدر الأمر السامي الكريم رقم:13876 / ب التاريخ : 2 / 9 / 1431 بقصر الفتوى على أعضاء هيئة كبار العلماء ، ومن يتم الإذن لهم بالفتوى ممن ترى هيئة كبار العلماء فيهم القدرة على الفتوى، وحرصاً على هذا الأمر صدر الأمر السامي الكريم رقم 3307 وتاريخ 13/1/1444هـ بشأن تنظيم الفتوى والمفتين، وحفظًا لكيان هذا العلم، وألا يتصدر أمر الفتيا إلا من توافرت فيه الشروط، وتم إجازته من الجهات المختصة، وأن يُقطع الطريق على كل من تسول له نفسه بتصدر الفتيا دون علم وبصيرة قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا).
وسأل الله أن يوفق خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز لما يحب ويرضى ويأخذ بنواصيهم للبر والتقوى، وأن يوفق الجميع في هذه الندوة المباركة بما يحقق آمال وطموحات وتوجيهات ولاة أمرنا وأن يحفظ بلادنا من كل سوء ومكروه، ويكلل أعمال الجميع بالنجاح والتوفيق إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين).
كما أقيمت ندوة يعنوان “خطورة الفتوى بلا علم وأخذ الفتوى من غير أهلها” قدمها مفوض الإفتاء بمنطقة حائل الدكتور أحمد بن جزاع الرضميان ومفوض الإفتاء بمنطقة مكة المكرمة الدكتور محمد بن عمر بازمول، تطرقا خلالها إلى وجوب أخذ الفتوى من مصادرها المعتمدة.
وفي ختام الحفل كرّم سموه المشاركين، فيما تسلم هدية بهذه المناسبة.