خصصت ألمانيا الخميس مبلغا قدره 200 مليار يورو (194 مليار دولار) لحماية العائلات والأعمال التجارية من تداعيات الارتفاع الكبير في أسعار الطاقة، في وقت تجد أكبر قوة اقتصادية في أوروبا نفسها في “حرب طاقة مرتبطة بالازدهار والحرية” ضد روسيا.
وتعهّد المستشار الألماني أولاف شولتس أن “الحكومة الألمانية ستبذل قصارى جهدها لخفض الأسعار”، معلنا عن تحديد سقف لأسعار الكهرباء والغاز وعن خطة للاستفادة من الأرباح الكبيرة التي حققتها شركات الطاقة التي لم تتأثر بشكل كبير بارتفاع أسعار الغاز.
وصُمم الصندوق لضمان تمكن ألمانيا من مواجهة تداعيات ارتفاع الأسعار “هذا العام والعام المقبل والذي بعده”، بحسب شولتس.
ويأتي إعلان الخميس في وقت ارتفع التضخم إلى أعلى مستوى له منذ 70 عاما ليبلغ 10 في المئة في أيلول/سبتمبر، بحسب بيانات رسمية، مدفوعا بازدياد أسعار الطاقة.
كما يتوقع أن تشهد البلاد ركودا عام 2023، مع توقعات بوصول ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية إلى 8,8 في المئة سنويا، بحسب ما ذكرت معاهد اقتصادية بارزة الخميس.
وشهدت ألمانيا التي تعتمد على واردات الوقود الأحفوري من روسيا لسد احتياجاتها من الطاقة، ضغوطا شديدة بينما رفع تراجع الإمدادات من موسكو أسعار الوقود.
وقال وزير المال الألماني كريستيان ليندنر “نجد أنفسنا في حرب طاقة مرتبطة بالازدهار والحرية”، مشيرًا إلى أن حماية المستهلكين من الفواتير المرتفعة يمثّل “ردًا واضحًا للغاية على (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين مفاده.. أننا أقوياء اقتصاديا”.
ولفت شولتس إلى أن الحماية من الأسعار المرتفعة ضروري من أجل “المتقاعدين والعمال والعائلات.. لكن أيضا الخبازين والحرفيين أو المعامل الصناعية الكبيرة الي تعتمد على إمدادات الكهرباء والغاز”.
وتراجعت ثقة الأعمال التجارية والمستهلكين بشكل حاد في الأشهر الأخيرة في وقت تستعد ألمانيا لركود خلال الشتاء.
وإلى جانب ارتفاع فواتير العائلات، أُجبرت بعض الأعمال التجارية على خفض إنتاجها أو الإبقاء على عملياتها مع تسجيل خسائر في ظل ارتفاع تكاليف الطاقة.
وأفادت الحكومة في بيان بأن على سقف أسعار الغاز أن يغطي “ولو جزءا” من الغاز الذي تستخدمه العائلات والأعمال التجارية مع “المحافظة على حافز يدفع لخفض استخدام الغاز” خلال الشتاء نظرا إلى أن الإمدادات محدودة.
وبالطريقة ذاتها، ستعمل الحكومة من أجل وضع حد لأسعار الكهرباء بالنسبة للمستهلكين عبر الاستفادة من الأرباح التي حققتها شركات الطاقة التي استفادت من ارتفاع أسعار الغاز لكنها لا تستخدمه لتوليد الطاقة.
وقبيل الإعلان، حذّر محللون من أن تحديد سقف كامل للأسعار لن يترك للمستهلكين سببا يدفعهم لخفض الاستهلاك، في وقت تحض الحكومة العائلات لتوفير الطاقة بأكبر قدر ممكن خلال الشتاء.
وتستخدم شقة من كل اثنتين في ألمانيا الغاز للتدفئة، بينما أظهرت أرقام الخميس أن الاستهلاك الوطني يتجاوز المعدل المعتاد لهذه الفترة من السنة.
وحذر مدير وكالة الشبكة الفدرالية كلاوس مولر من أنه “من دون خفض كبير، بما في ذلك في المساكن الخاصة، سيصعب تجنّب نقص في الغاز”.
وأعلن شولتس أيضا أن الحكومة ستلغي ضريبة مثيرة للجدل على الغاز سمحت لشركات الطاقة بتحميل المستهلكين عبء ارتفاع الأسعار والمحافظة على استقرار أعمالها التجارية.
وتحرّكت ألمانيا لدعم سوق الطاقة إذ أعلنت تأميم شركة “يونيبر” التي كانت إحدى أكبر الجهات المستوردة للغاز الروسي.
ولم يتم التوصل إلى اتفاق على تمويل الحزمة الجديدة إلا بعد سجالات استمرت لأسابيع ضمن الائتلاف الثلاثي المكوّن من حزب شولتس “الاشتراكي الديموقراطي” و”الخضر” و”الحزب الديموقراطي الحر” (ليبرالي).
وسيتم ضخ مبلغ 200 مليار يورو في صندوق للاستقرار الاقتصادي خارج موازنة الحكومة الرئيسية، ما يسمح للحكومة بالالتزام بقواعد الديون المنصوص عليها دستوريا التي تحد أي عجز عام، وهو خط أحمر بالنسبة لليندنر، زعيم الحزب الديموقراطي الحر.
وقال “نرغب عبر هذه الإجراءات بالبعث برسالة واضحة إلى أسواق رأس المال مفادها بأنه حتى عندما نستخدم درعا من هذا النوع، ستحافظ ألمانيا على سياستها المالية التي تركز على الاستقرار. تبقى السندات الألمانية معيارا ذهبيا على مستوى العالم”.
ومدى الشهور الأخيرة، سارعت ألمانيا أيضا للبحث عن مصادر طاقة جديدة لخفض الطلب على الغاز.
وفي وقت سابق هذا الشهر، ذكرت الحكومة بأنها ستبقي محطتين نوويتين قيد التشغيل لفترة تتجاوز نهاية العام لدعم شبكة الكهرباء. وشكّل القرار تحوّلا كبيرا إذ وافق الخضر المناهضون تقليديا للطاقة النووية على تأجيل خطط تعود إلى حقبة المستشارة السابقة أنغيلا ميركل للتخلي عن الطاقة الذرية.