تشهد المملكة العربية السعودية مجموعة من الأنشطة الموجهة لتعزيز ريادتها في مجال الذكاء الاصطناعي والبيانات على مستوى المنطقة والعالم. ويتماشى ما تحرزه من تقدم حتى الآن مع خطة الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي لضمان تصنيف المملكة ضمن أفضل 10 دول في مجال الذكاء الاصطناعي والبيانات، عبر تنظيم الدورات التدريبية والارتقاء بمهارات المتخصصين. وبغض النظر عن عمليات التدريب والتعلم، تشمل الدوافع الرئيسية التي يمكن أن تعزز مكانة المملكة العربية السعودية توفير بيئة استثمارية جذابة لشركات الذكاء الاصطناعي والبيانات والدخول في شراكات استراتيجية مع رواد قطاع التكنولوجيا على المستويين الصناعي والوطني.
وتعتبر تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، بحسب جان كريستوف برنارديني، شريك ومدير مساعد في شركة بوسطن كونسلتينغ جروب (BCG)، من العوامل الأساسية الواجب الاستثمار فيها عبر قطاع النفط والغاز، حيث توفر الاستراتيجيات المستدامة في هذا الإطار، مجموعة من الفرص والإمكانات تساهم في تحسين عملياتها، وتعزيز سلسلة القيمة على نحو متكامل، إلى جانب تحسين عمليات التنقيب والإنتاج والعمليات التشغيلية المختلفة. وتواجه هذه الشركات في الوقت الحاضر مجموعة من التحديات المرتبطة بعدم اليقين والهياكل المنعزلة عند توليد كميات هائلة من البيانات. وعلى هذا النحو، يؤدي اعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي واستخدامها إلى معالجة هذه المشكلات والتغلب على التحديات ذات الصلة، في حين تبدو خطط النمذجة المادية والعمليات التقليدية عاجزة عن توفير رؤى وحلول مستدامة قابلة للتنفيذ.
وتعتمد مجموعة التكنولوجيا في قطاعي النفط والغاز على نظام يتكون من 4 مستويات تشمل البيانات والتكامل والرؤى والقرارات. ولهذه الاستراتيجية أهمية استثنائية نظراً للدور الحيوي والرئيسي للذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي في تكوين رؤى مستقبلية، حيث يتم تحليل البيانات على نحو متكامل لإنشاء رؤى قابلة للتنفيذ، والتي بدورها تتيح اتخاذ قرارات أسرع تتمحور حول البيانات، للمساهمة في تحسين الإنتاجية وخفض النفقات والحد من الانبعاثات. وتشمل الأمثلة المتعلقة بالجهات الفاعلة المستفيدة من الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي على مستوى القطاع توصيف المكامن وتحسين الإنتاجية والتحليلات التنبؤية وتحديد مصادر الانبعاثات وتحديد المعايير الواجب اتباعها للالتزام بتوجهات الاستدامة.
وتجدر الإشارة إلى أن تشغيل نظام الطاقة العالمي منخفض الكربون سيعتمد على مصادر طاقة نظيفة وبديلة عبر التخلص من استخدام الكربون في القطاعات الحالية وزيادة كفاءة الاستهلاك. وسيكون للتقنيات الرقمية تأثير واضح على هذه النتائج من حيث الإمكانات، وهذا بالفعل ما نشهده في المملكة العربية السعودية.
وتستفيد الشركات الرائدة حالياً في مجال النفط والغاز من القدرات الرقمية المتطورة على مستوى الإنتاج، حيث تسخر قدراتها الهائلة لدفع أجندة التخلص من الكربون في سلسلة القيمة بأكملها، مع زيادة كفاءة الطاقة في القطاعات الرئيسية مثل قطاعي التصنيع والمباني السكنية. وستتمكن الشركات من خفض الانبعاثات على نحو فعال في عمليات الإنتاج والاستهلاك عبر تحديد أسس عملياتها وقياسها وتحسينها. وستكون التقنيات الرقمية، لا سيما الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، من العناصر الأساسية في هذا الإطار حيث إن النمذجة المادية لسلاسل الانبعاثات تعتبر من المستحيلات بالنظر إلى الحجم الهائل لمعلمات البيانات.
ويرى مارينوس كونستانتينو، مدير مشروع في شركة بوسطن كونسلتينغ جروب (BCG)، أن شركات النفط والغاز ستتمكن من خفض انبعاثات الكربون بشكل فعال عبر استخدام الذكاء الاصطناعي، من خلال مراقبة ثلاثة اعتبارات محددة لسلسلة القيمة ومعالجتها لتعزيز جهودها الهادفة لتحقيق الاستدامة. ويتمثل الاعتبار الأول في دراسة الوضع الراهن، وهو إجراء يتمحور حول العمليات والأصول التشغيلية على مستوى سلسلة القيمة بأكملها، بالتعاون مع الموردين والعملاء والاطلاع على فرص النمو وتوقعات الإنتاج ومعلومات انتهاء الصلاحية في كافة مراحل العمليات.
ثانياً، يعد تخفيف الإنبعاثات من الاعتبارات الرئيسية الأخرى في سلسلة القيمة؛ في حين أن الجدوى المالية نادراً ما تمثل إشكالية في قطاع النفط والغاز، ما يتوجب على الشركات ضرورة اعتماد سيناريوهات قابلة للتطبيق على أوسع نطاق، عند اتباع الأنشطة الهادفة للحد من المخاطر؛ ما يعني تقديم مبادرات مستدامة اقتصادياً وقابلة للنشر على نطاق واسع، بالإضافة إلى تحسين الإنتاجية مع تعزيز الجاهزية لإطالة عمر الأصول. وتعتبر الحوكمة وإدارة التغيير الحتمية الثالثة والأخيرة في هذا الصدد، إذ يتعين على الشركات دمج أدوات الحماية الرقمية في هيكلية بياناتها الشاملة عبر وضع استراتيجية شاملة تضمن دقة الإنتاج، ووضع رؤية مالية متميزة، ودفع الجهود الهادفة للتخلص من الكربون. وسيؤدي اتباع هذا النهج إلى تسهيل التوجه لنشر ثقافة تنظيمية إيجابية باتباع طرق جديدة للعمل تساهم في تسريع عمليات صنع القرارات وخفض الانبعاثات على نحو فائق البساطة.
ويبدو المستقبل مشرقاً في هذا الإطار، حيث تشهد حلول الذكاء الاصطناعي انتشاراً واسعاً في قطاع النفط والغاز في المملكة ويتم الاستفادة منها بشكل متزايد. وفي حين أن هذا الحدث يمثل تقدماً واعداً في مسيرة الاستدامة، تتمثل الخطوة التالية في دفع الانتقال من النجاح التجريبي إلى قاعدة أصول أوسع تضمن تكامل العمليات الأساسية، وهو أمر يمكن تحقيقه عبر إصلاح نماذج التشغيل وهياكل وعمليات الحوكمة. وبات مركز 4IR التابع لأرامكو السعودية معياراً يمكن الامتثال له لاعتماد الذكاء الاصطناعي على مستوى العمليات المختلفة، حيث شهد تجميع أكثر من خمسة مليارات نقطة بيانات يومياً، بالإضافة إلى تطوير تقنية الذكاء الاصطناعي المتقدمة عبر حالات الاستخدام المتنوعة. ويبدو أن العالم لا غنى له عن اعتماد الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة، حيث يعملان كمحفز لاتخاذ القرارات السريعة وخفض الانبعاثات الناجمة عن احتراق الغازات بنسبة تصل إلى 50٪ خلال العقد الماضي.