اختتم الملتقى الافتراضي للمكتشفات الأثرية في المملكة العربية السعودية جلساته أمس الأربعاء، بعد يومين حافلين بالأبحاث والأوراق العلمية التي قدمها المشاركون في الملتقى من علماء وباحثين من المملكة والعالم، تناولوا فيها نتائج مشاريع البحث والتنقيب الأثري في المملكة وأبرز مكتشفاتها، وذلك بتنظيم من هيئة التراث.
وتضمن البرنامج العلمي للملتقى ست جلسات علمية شارك فيها 24 باحثاً متخصصاً في الآثار. وشهد اليوم الأول للملتقى تقديم 12 ورقة علمية عبر ثلاث جلسات، تركّزت في مجملها في استعراض المقومات الحضارية لموقع المملكة المتوسط بين قارات العالم القديم، إلى جانب الكشف عن أهم المكتشفات الأثرية مثل موقع الجمل، ودور الواحات القديمة.
وحملت الجلسة الأولى عنوان “آثار ما قبل التاريخ” وشارك فيها الدكتور مايكل بيتراقليا بورقة علمية عن “الدور المركزي للمملكة العربية السعودية على مفترق طرق القارات”، والدكتور قيوم شارلو الذي قدم ورقة عن “موقع نحت الجمل الأثري بمنطقة الجوف”، والدكتور أنتوني سنكلير بورقة بعنوان “نتائج المشروع السعودي البريطاني على ساحل البحر الأحمر وانعكاساته على الانتشار البشري”، إضافة للدكتور سوميو فوجي الذي تحدث عن “المستوطنات الرعوية” ونتائج مشروع البعثة السعودية اليابانية المشتركة.
وتناولت الجلسة الثانية لليوم الأول من الملتقى “آثار وثقافة الواحات القديمة” شارك فيها كل من الدكتور مارتا لوشيني، والدكتور روملو لوريتو، والدكتور أرنولف هاوسليتر، والدكتور صبا فارس، وتحدثوا فيها عن أبرز نتائج مشاريع البعثات البحثية الدولية التي تُنقّب في دومة الجندل، وموقع تيماء، وموقع كلوة بمنطقة تبوك. فيما استكملت الجلسة الثالثة الحديث عن آثار وثقافة الواحات القديمة بمشاركة الباحثين الدكتور سولين، والدكتور قيوم شارلو، والدكتور ليلى نعمي، والدكتور عبدالرحمن السحيباني.
وكشف مختصون في ثاني أيام “الملتقى الافتراضي للمكتشفات الأثرية” عن الموارد الأثرية التي تزخر بها المملكة، حيث استهل الملتقى يومه الثاني بجلسة “الأعمال الميدانية السعودية” وتحدث فيها الدكتور محمد الذيبي عن مكتشفات بعثة قسم الآثار في جامعة الملك سعود لموقعي المابيات والخريبة في العلا، والجهود المتواصلة في تنقيب قرية الفاو التي تعد أحد الممالك العربية القديمة في نجد، فيما أكد الدكتور أحمد أبو القاسم على أن بعثة قسم الآثار من جامعة حائل لا تزال مستمرة بالعمل مع هيئة التراث، في موقع فيد الأثري، إذ تحتفظ المنطقة بثروة تتمثل في رماح الموستيرية واللفلوازية، وأدوات تعود للعصر الحجري القديم الأوسط، وعملات ودنانير ذهبية من العصر العباسي، مبيناً أن ذلك أثمر في صنع خارطة أثرية للمنطقة.
فيما كشف الدكتور عبد الخالق الشيخة مساعي قسم السياحة والآثار بجامعة جازان في التنقيب داخل موقع المنارة منذ 1434هـ بعد اتفاقية بين الجامعة والهيئة العامة للسياحة والتراث -سابقاً- من خلال مسح ميداني بمنهجية دقيقة.
وعن المشروع العلمي لتوثيق المنشآت الحجرية في حرة الحرة، أوضح مسفر القحطاني أن المشروع يعطي فرصة لفهم مسألة الاستيطان الدائم والنمط الرعوي في الجزيرة، وإدراك التاريخ الحضاري والثقافي للمملكة الذي يعود إلى ما قبل التاريخ.
وتناولت ثاني الجلسات “التراث الثقافي المغمور بالمياه – مسح الموانئ القديمة” حيث عرض فيصل الصعاق، التقنيات الحديثة التي سخرتها جامعة الملك عبد العزيز في مسح التراث المغمور، من خلال أسطول بحري استكشافي، وأجهزة مخصصة في البحث عن الآثار الغارقة، حيث استطاعت التنقيب عن السفينة الغاطسة شمال-غرب شرم أبحر، ومثيلتها في مدخل ميناء جدة الإسلامي، بينما تخوض الجامعة بالتعاون مع هيئة التراث، رحلة بحثية لاستكشاف مناطق تراثية على ساحل البحر الأحمر.
وبدورها استعرضت الدكتور كيارا ززارو أبرز الدراسات الأثرية، التي توصلت لها مشروع البعثة السعودية الإيطالية المشتركة (جامعة نابولي) على إثر مسح مواقع التراث المغمور في أملج، وأشارت إلى أنه في عام 2008م وجد بعض الغواصين حطام سفن أوروبية قادمة من المحيط الهندي تبعد 16 ميلا عن أملج، تحتوي على بضائع مثل بنّ القهوة، وجوز الهند، وأواني ذات نقوش مختلفة، وبعض الأكواب من ماركة Dutch east Indian Company التي تدل على وقت الحطام الذي حدث في القرن الـ 18″.
وعن موقع الحوراء التي تعمل عليه البعثة السعودية اليابانية، أفصحت الدكتورة ريسا توكوناجا عن السمات الجيولوجية المميزة للمنطقة، مثل جبال الحجاز والحمم البركانية، والأنشطة البشرية المختلفة في المنطقة عبر العصور، فيما توصلت إلى منازل وحصون وقطع أثرية.
كما قدم الدكتور يانق روي نتائج البعثة السعودية الصينية المشتركة في التنقيب بموقع السرين الأثري، الذي يشمل 48 قبراً تحمل شواهدها كلمات عربية إذ يعود تاريخها إلى 1029م، إضافة لحطام سفينة نانهاي الصينية.
واختُتم الملتقى بجلسة “التحولات الحضارية” حيث تطرقت الدكتورة اليسيا بيريوليتا إلى مسح النقوش الصخرية في منطقة نجران، وأفادت أنه نظراً لموقع حمى الإستراتيجي بين الطرق العربية والطبيعة الجيولوجية، والصخور الرملية، التي تعتبر ملائمة للنحت، فإن المنطقة غنية بشكل لا يصدق بنقوش الصخور التي تقدّر بآلاف.
وعن خلاصة التنقيب في موقع ضرية، أشار الدكتور فيصل الجبرين إلى أن الجهود المبذولة أماطت اللثام عن مصادر ومنشآت مياه، وتلال أثرية، ونقوش كتابية.
وعلى صعيد متصل أبدى الدكتور جيروم رومر عن حصيلة البعثة السعودية الفرنسية المشتركة، في التفتيش بمنطقة ثاج، التي تعتبر أكبر موقع أثري ما قبل الإسلام في شرق شبه الجزيرة العربية، ويحيطها سور بعرض خمسة أمتار.
يذكر أن الملتقى الافتراضي أقيم يومي الثلاثاء والأربعاء (2 و3 نوفمبر 2021م) وبُثت جلساته عبر قناة وزارة الثقافة في موقع يوتيوب، وهو من تنظيم هيئة التراث في إطار جهودها لإبراز الاكتشافات الأثرية في المملكة، من خلال منصة علمية مفتوحة للعموم يتحدث خلالها الخبراء والمهتمون بالآثار، وتُسهم في التعريف بمكانة المملكة على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي من الناحية التاريخية والحضارية، ورفع الوعي بماهية الآثار وما تحويه المملكة من إرث حضاري كبير، وبالجهود السعودية المبذولة لصوْنه والمحافظة عليه.