خاص : عبدالباسط شاطرابي
ما أن تعلن الشمس غروبها .. حتى تبدأ البيوت السودانية في الإعداد للشاي الممزوج بالحليب. هذه العادة ظلت جزءا من طقوس المساء السودانية، حيث يجتمع شمل الأسرة حول أواني الشاي، ويتبادلون الأحاديث في مختلف الشؤون.
“قررنا أن نهجر هذا الشاي” يقول صلاح عثمان بحسرة تظهرها نبرات صوته، راميا اللوم على أسعار الحليب المتصاعدة التي لا تترك خيارا آخر لأسرته.
“في الأصل نحن مجتمع رعوي وزراعي، والأسرة اعتادت حلب مواشيها التي لم يكن يخلو منها بيت صباحا ومساء” يقول الزاكي سليمان، معلم بالخرطوم، مواصلا “هذا إلى جانب أن الحليب يعتبر من الغذاءات الحاضرة باستمرار سواء للأطفال أو للاستعانة به في منتجات الألبان المنزلية كالسمن والروب والأجبان في بعض المناطق، ورغم أن إنسان المدينة قد ترك إلى حد كبير تربية الماشية المنزلية .. لكنه ظل حريصا على نصيبه اليومي من الحليب له ولأسرته” مشيرا إلى أن ارتفاع أسعار الحليب أرهق ميزانية الأسرة وجعل الكثيرين يقلصون الكمية التي يستعملونها إلى مرة واحدة في الصباح.
تصاعد جنوني
مشكلة الحليب التي تركت آثارها على كل منتجات الألبان في السودان هي أن أسعاره تصاعدت في قفزات دراماتيكية خلال فترات قصيرة، فقد قفز سعر الرطل (نصف لتر) في العاصمة السودانية الخرطوم من ٣٠ جنيها إلى ٤٠ ثم ٥٠ جنيها قبل ١٥ شهرا، ثم توالت الارتفاعات بجنون ليصل سعره اليوم إلى ٢٢٠ جنيها في حين بقيت الرواتب على ما هي عليه عاجزة عن المواكبة.
وكانت غرفة الألبان السودانية قد حذرت من حدوث زيادات كبيرة في أسعار الألبان تصل إلى ٣٠٠ جنيه للرطل (خمسة ريالات لكل لتر) في منتصف سبتمبر المقبل.
وقال محمد عثمان، رئيس الغرفة، إن ارتفاع أسعار مدخلات إنتاج الألبان أدى إلى تقليص الإنتاج بنسبة كبيرة مقارنة مع الفترة السابقة مما تسبب في وجود ندرة حادة في الألبان ومنتجاتها.
الدائرة الغامضة
وفي حين يوجه عدد من المستهلكين أصابع الاتهام لجمعية حماية المستهلك لتقصيرها في كبح جنون الأسعار، يرى آخرون في قطاع تربية الأبقار أن أساس المشكلة هو الانفلات المتصاعد في أسعار الأعلاف وتكاليف الترحيل والوقود ، ما أخرج العديدين منهم من السوق بحثا عن مجالات أخرى للاستثمار.
المشكلة كلها تبدو دائرية يحاول المواطن السوداني معرفة رأسها من نهايتها، خصوصا وأنها محيرة بوجود ثروة حيوانية هائلة، حيث تشير بعض التقديرات إلى وجود حوالي 110 ملايين رأس من الماشية بالسودان، وأكثر من 30 مليون رأس من الضأن، ومثلها من الماعز.
وإلى حين انتهاء مشكلة الألبان وتصاعد أسعارها .. قد يتخلى الكثير من الأسر عن شاي المغرب .. انتظارا لمعالجات جذرية تعيد الألبان إلى سالف عهدها وخصوصا في مساءات الأسرة السودانية، المليئة بالمحبة والأنس.