الخرطوم – خاص
“ليس فطورا .. بل هو فك الريق” .. هذا ما سيقوله لك أي سوداني إذا رأيته يتناول في الصباح الباكر الشاي الممزوج بالحليب مع (اللقيمات) أو مع الخبز أو مع ما تيسر من قطع البسكويت.
هكذا يبدأ يوم الأسر السودانية، فالشاي بالحليب مع ملحقات خفيفة .. جزء أساسي من الغذاء اليومي يسبق في العادة الذهاب للعمل .. ليحتل الإفطار مساحة زمنية أخرى تمتد في الغالب ما بين الساعة العاشرة والساعة الحادية عشرة صباحا.
الدخول في وقت الفطور يعني تجدد الموعد مع طبق الفول الشهي، فهو الحاضر الذي لا يغيب عن فطور السودانيين، ولا سيما سكان الخرطوم وكبريات المدن. “كنا نشتري طبق الفول بجنيهين إلى ثلاثة جنيهات قبل عشر سنوات” يقول خمسيني مرسلا لقمته إلى جوفه بمطعم شعبي، “نفس الطبق يباع الآن بخمسمائة جنيه .. الأسعار تطير .. والأفواه تزيد” يكمل حديثه.
شراء الفول يصطحب بالضرورة إقبالا رديفا على زيت السمسم، فلا فول دون هذا الزيت، ومع أن السودان من كبار المنتجين للسمسم وزيته .. ترتفع أسعار هذا الزيت بشكل مربك.
“نبيع الفول بهامش ربح ضئيل، لكننا نحقق بعض الربح من الملحقات، وأهمها البيض المسلوق الذي يتم هرسه مع الفول، وكذلك الجبن والطعمية وزيت السمسم” .. يرمي صاحب المطعم عبارته على مسامعي دون حماسة للدخول في تفاصيل.
وجبة يومية واحدة للفول اللذيذ في المطاعم الشعبية كفيلة بالتهام جزء كبير من الراتب الشهري لمتوسطي الدخل، ومع ذلك لا يلاحظ أصحاب المطاعم أي انحسار في الإقبال على الوجبة الطاغية، فالفول بات يتحكم في المزاجية السودانبة، ويصعب غيابه عن أهل الحواضر كلما حان وقت الوجبة الصباحية.
غير أن الفول في البيوت أرخص سعرا من المطاعم، فثمن وجبة لشخص واحد في المطعم قد يكون كافيا لإشباع شخصين في المنزل، والسبب أن الكثير من بقالات الأحياء السكنية تبيع الفول بسعر التكلفة تقريبا كجزء من حركتها لاكتساب الزبائن، فمن يشتري الفول يشتري معه في الغالب بقية الاحتياجات المنزلية كالبيض والزيت والأجبان، وقد يشجعه ذلك على شراء الأغراض الأخرى التي يحتاجها كل منزل.
لقد تحول الفول من مجرد (وجبة) إلى علاقة حب، يتدلل فيها المحبوب بارتفاعات سعره المتوالية، ويغدق عليه الجميع من مالهم مهرا لخطب وده والتمتع بالوصل معه.
إنها رومانسية الفول!