أشاد عددٌ من المثقفين والأدباء بالدور الحيوي الذي تنهض به هيئة الأدب والنشر والترجمة من خلال تعزيزها للمحتوى الإبداعي وتوفيرها للبيئة المحفزة التي تنمي المواهب وتحتفي بالرواد ضمن استراتيجيتها التي أطلقتها مؤخراً، كما أكدوا على أهمية جعل القراءة ضمن المألوف الاجتماعي لإثراء حياة الفرد والمجتمع، منوهين على ضرورة اعتبارها ركناً من أركان عملية التلقي الأدبي، وخلقها لبيئة معرفية ومجتمع قارئ.
بيئة معرفية
أكدت الدكتورة عائشة الحكمي الأستاذ المساعد في الأدب الحديث بجامعة تبوك على ضرورة التعاطي مع القراءة كجزء من التنمية المجتمعية؛ ليتحقق من خلالها نماء الأفراد المعرفي والحضاري، وقالت: “إن امتلاك المجتمع لسلاح التنوير عميق التأثير لن يكون إلا بوجود بيئة تسودها المعرفة، ويتأتى هذا ابتداءً من الرعاية الصحيحة لقدرات الطفل وتأهيله منذ أن يرى النور عبر الكلمات التي يتلقاها والأفعال التي يُوجه إليها؛ بما يرسخ مفهوم الأدب عند الفرد، كما يدعم التأسيس الممنهج في المدارس والجامعات عبر التطبيق العملي الاهتمام بالأدب؛ لجعله أسلوب خطاب اجتماعي، ولن يتحقق ذلك إلا إذا انتهت أمية القراءة والكتابة”.
وأبانت الحكمي: “إن أهم أركان البيئة المعرفية هي التحفيز بكل مصادره من: الأسرة والمدرسة والمجتمع، بحيث يكون من الطبيعي والمألوف وجود شخص يقرأ في كل الأوقات والأماكن، لتصبح القراءة هي الثقافة المهيمنة؛ وإذا تحققت هذه المعادلة سيصبح المجتمع ناهضاً بنفسه في مختلف السياقات التي تواجهه”.
مبادرة قرائية
وشدد طارق المالكي رئيس نادي وسم الثقافي على أن الأدب يشكل ضرورة حياتية لدعم الثقافة الإنسانية، وقال: “يشكل الأدب الرئة الثالثة التي يتنفس من خلالها الإنسان، فهي تعبر عن عواطفه وخياله وتجاربه، وإن أجدادنا الذين لم ينالوا نصيبًا من العلم كانوا يمارسون الأدب في سرد القصص التي ورثوها من آبائهم”.
وأردف:” من الملاحظ في الأعوام الأخيرة زيادة الوعي الثقافي لدى الناس ليس بسبب القراءة التقليدية فحسب؛ بل من القراءة الإلكترونية أيضاً، فأصبح الناس يقرأون ويشاهدون ما تتلقفه أجهزتهم من قصائد مصورة ومقالات مكتوبة”.
وأضاف المالكي: “أقترح أن تؤسس مبادرة وطنية للقراءة، وأن تحتوي هذه المبادرة على أندية للقراءة بشقيها الإلكترونية والورقية، وأن تكوّن جمعيات الكتاب الواحد، ككتاب “مقدمة ابن خلدون” لابن خلدون تضم المهتمين بعلم الاجتماع، وكتاب “تاريخ الخلفاء” للسيوطي تضم المهتمين بالتاريخ والحضارة الإسلامية، وأن تكون مسابقة سنوية للقراءة يُكرّم أسرع قارئ وأفضل مؤلَّف وأكثر الكتب مبيعًا”.
عادة مجتمعية
ويرى الكاتب منصور القرني أن هناك طرقاً مختلفة يمكننا الوصول من خلالها لوضع الأدب نمط حياة سواء للفرد أو للمجتمع؛ وأهمها استهداف النشء، وقال: “إن المراحل العمرية المبكرة هي أفضل وقت لاكتساب المواهب وتعزيزها، ففي السنوات الأولى للطفل وقبل أن يتعلم القراءة نبدأ بقراءة ورواية القصص الأدبية له بأسلوب شيق حتى تألف وتحب أذنه مثل هذا النوع من الأدب، وإذا لاحظنا عدم تفاعل الطفل مع القصة، نبحث في السبب فقد يكون نوع القصة مثلاً أو الأسلوب غير مناسب له، حينها نلجأ إلى طرق وأساليب تشويقية أخرى، وجميل أن نجد عائلات اعتادت على رواية القصص لأبنائها قبل النوم؛ فهذا أقصر وأسرع الطرق لجعل الأدب ضمن الاهتمامات الاعتيادية للأفراد”.
وأكد أن الدور الذي اضطلعت به هيئة الأدب والنشر والترجمة في بناء بيئة محفزة للإنتاج وتمكين القطاع غير الربحي من ممارسة أدوار رئيسية، وكذلك تحفيزها ودعمها للممارسين من أدباء ومؤلفين وناشرين ومترجمين؛ له أكبر الأثر لأن تصبح القراءة ركناً مهماً في عملية التلقي الأدبي. وزاد:” من الملاحظ الآن رؤية مبادرات جميلة بالتعاون مع الهيئة مكّنت القارئ من مصادر المعرفة في مراكز التسوق على سبيل المثال، وهذا سيجعلنا ننظر بأمل إلى ما ينتظرنا في المستقبل القريب من مبادرات لها واسع الأثر على الفرد والمجتمع”.
مختتماً بقوله: “إن تنظيم القطاعات الثلاث الذي تقوم به الهيئة مشكورة في تطوير الإمكانات الواقعة ضمن نطاقاتها، ووضع اللوائح والمعايير التنظيمية، وتوفير قنوات التمويل، وكذلك تحفيز القطاع الخاص للاستثمار في التنمية الثقافية وتفعيل دور الوسط الثقافي في تنفيذ مبادرات الهيئة وبرامجها التنفيذية؛ سينعكس كل ذلك على البيئة المعرفية ويجعلها مناط تنافس بين القطاعات وهذا هو الدور المنشود الذي يأمله المجتمع”.