خلّد التاريخ الإسلامي موقع “الحديبية” غرب المسجد الحرام؛ لارتباطه بسيرة الرسول محمد – صلى الله عليه وسلم – فكان محضن بيعة الرضوان، وموضع أول معاهدة صلح مع قريش؛ لتأذن لاحقاً بفتح مكة المكرمة، كما أن المكان يكتسب أهمية بأعلامه الخاصة بحدود الحرم المكي.
وعلى أرض الحديبية كانت أحداث “بيعة الرضوان” التي حفظها القرآن الكريم في قوله تعالى (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله)، وقال عز وجل ( لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ إذْ يُبَايعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ). ووثقتها كتب السيرة النبوية في السنة السادسة للهجرة، حينما دعا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الناس إلى البيعة.
وشهد الموضع في السنة ذاتها كتابة أول عهد سلام بين المسلمين وقريش وخلصت بنود المعاهدة “عهد الحديبية” إلى إقرار الهدنة بين الطرفين لمدة عشرة أعوام، إلا أن نقض الطرف الثاني بعد سنتين لبعض شروط الصلح عجّل بفتح مكة المكرمة، وفي تفاصيل هذا الحدث، أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – خرج ومعه المهاجرون والأنصار ومن لحق بهم من العرب وساق معه الهدي وأحرم بالعمرة، إشارة إلى خروجه السلمي، حتى إذا كان بعسفان وهي بلدة صغيرة في شمال مكة المكرمة تبعد عنها بـ 80 كيلو مترًا، جاءه من يخبره بأن قريشاً قد سمعت بخروجه وأعدت العدة لقتاله، فسلك – عليه الصلاة والسلام – طريقاً مخالفاً حتى إذا وصل إلى ثنية المراد وتعرف اليوم بفج الكريمي، هبط إلى الحديبية ،وعندها بركت ناقة الرسول – عليه أفضل الصلاة والسلام – القصوى، فضج الناس وقالوا خلأت القصواء، فرد عليهم – صلى الله عليه وسلم -: ما خلأت، وما هو لها بطبع ولكن حبسها حابس الفيل.
وقال الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم -: “لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألونني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها “، وقد بدأ الحوار بين النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – وقريش، وانتهى الأمر بكتابة عهد بينهم “صلح الحديبية “.
وتقع الحديبية التي يعود أصل تسميتها إلى بئر الحديبية بالقرب من موقع بيعة الرضوان، وفي رواية إلى شجرة حدباء كانت في ذلك الموضع، على بعد نحو 24 كيلو متراً غرب المسجد الحرام وخارجه عن حدود الحرم بكيلو مترين في موقع يعرف الآن بالشميسي على طريق مكة المكرمة / جدة القديم، حيث بني مسجد حديث بجوار القديم المبني بالحجر الأسود والجص.