تحول شركة ناشئة يملكها رجل أعمال إسرائيلي من أصل روسي رطوبة الجو في قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة حماس الإسلامية، إلى مياه شرب في إطار مشروع يسعى إلى تخفيف وطأة الأزمة الصحية في القطاع المحاصر من إسرائيل.
على سطح مبنى في خان يونس، تغذي فسيفساء من الألواح الشمسية آلة ضخمة تصدر هديرا قويا وتشبه مولدات الكهرباء جلبت من إسرائيل وتهدف إلى تحويل رطوبة الجو إلى مياه شرب.
ويقطن قطاع غزة مليونا شخص يواجهون شحا في مياه الشرب ينعكس على صحة المواطنين الذين تسجل في صفوفهم إصابات كبيرة بالحصى والإسهال، على ما وثق باحثون في السنوات الأخيرة.
وتضخ مياه الشرب في غزة من باطن الأرض منذ قرون، لكن في العقود الأخيرة زاد النمو السكاني من الضغوط على طبقات المياه الجوفية التي تسللت إليها مياه البحر المتوسط.
ويقول غسان عاشور، وهو تاجر من خان يونس، “المياه التي نحصل عليها مالحة وغير صالحة للاستهلاك هي مناسبة فقط لغسل الملابس وعمليات التنظيف والاستحمام”.
ويعول سكان قطاع غزة على المياه المعدنية أو تلك التي يوفرها باعة جوالون يوصلون في شاحنات صهاريج المياه التي يستمر نهلها من الطبقات الجوفية، بعد معالجتها.
ويقول عيسى الفرة، وهو صاحب محطة ضخ، “هنا نضخ يوميا 810 آلاف ليتر من المياه نمررها عبر مرشحات ونضيف إليها الكلور ومواد كيميائية أخرى لتصبح صالحة للاستهلاك. لكن أخشى أنه في غضون خمس سنوات ستنضب الطبقات الجوفية أو تصبح مالحة جدا”.
– غير قابل للعيش –
وتقول الأمم المتحدة إن ثلاثة في المئة فقط من مياه الشرب في قطاع غزة تنطبق عليها المعايير الدولية. وحذرت الأمم المتحدة قبل سنوات قليلة من أن نضوب الطبقات الجوفية سيساهم في جعل الوضع في القطاع الفقير “غير قابل للحياة” اعتبارا من 2020. لكن حلولا بدأت تبرز مثل إقامة مصنع كبير لتحلية المياه بتمويل من الاتحاد الأوروبي ونشر ثلاثة “مولدات مياه” من جانب شركة “ووترجن” الإسرائيلية.
وقدمت الشركة اثنين من هذه المولدات، في حين وفر المولد الثالث معهد أرافا للبحث البيئي الواقع في جنوب إسرائيل. وتبلغ كلفة كل جهاز حوالى خمسين ألف يورو.
وقد وضع أحد هذه المولدات في بلدية خان يونس، وهو عبارة عن مكعب فولاذي ضخم يحبس رطوبة الجو ويحولها إلى مياه يمررها عبر مرشحات وصولا إلى مياه قابلة للشرب لا طعم مريبا لها.
وينتج “هذا المولد حوالى خمسة آلاف ليتر من مياه الشرب في اليوم عندما تتجاوز نسبة الرطوبة 65% وستة آلاف ليتر عندما تفوق نسبة الرطوبة 90%”، على ما يوضح لوكالة فرانس برس فتحي شيخ خليل، المهندس الكهربائي والمسؤول في منظمة “دامور” غير الحكومية الفلسطينية التي تشغل الجهاز محليا.
ويستهلك جزءا من هذه المياه الموظفون البلديون، وينقل الجزء الآخر إلى مستشفى محلي. ويقول خليل “جهاز أو جهازان من هذا النوع لن يغيرا الوضع كليا “..”، لكنها البداية”.
وتتراجع كلفة إنتاج المياه مع وصل “مولدات المياه” هذه إلى ألواح شمسية مجهزة ببطاريات فضلا عن بصمته الكربونية، خصوصا أن غزة لا تملك إلا مصنعا حراريا واحدا يعمل بالفيول المستورد ولا يكفي لتلبية الطلب المحلي.
وتأتي المساعدة من شركة ناشئة إسرائيلية، رغم أن حركة حماس تواجهت في ثلاث حروب مع الدولة العبرية منذ العام 2008. لكن خليل يؤكد “نقبل المساعدة من أي طرف أتت”.
– خطف وعصابات ومياه –
على بعد حوالى 80 كيلومترا شمال خان يونس، تقع مكاتب الشركة الإسرائيلية الناشئة في أبراج زجاجية، وقد نالت هذه الشركة جوائز عن “مولدات المياه “التي تنتجها.
ويدير الشركة منذ سنوات مايكل ميريلاشفيلي، وهو ملياردير روسي من أصل جورجي سجن سنوات عدة في روسيا بعدما أدين بتهمة خطف خاطفي والده رجل الأعمال الثري الذي احتجزه رجال عصابات جورجيون لفترة.
وأفرج عنه في 2009، فانتقل للإقامة في إسرائيل حيث استثمر بكثافة واشترى قبل حوالى خمس سنوات الشركة الناشئة “ووترجن” التي تصدر مولدات مياه إلى حوالى 80 بلدا.
ويقول ميريلاشفيلي لوكالة فرانس برس “يجب مساعدة جيراننا أولا. والهدف هو وضع حد لأزمة المياه في غزة”. ويؤكد أن توفير هذه التكنولوجيا لقطاع غزة “تطلب موافقة الجيش الإسرائيلي”.
وبما أنه لا يستطيع وكذلك موظفوه زيارة قطاع غزة، مرّت “ووترجن” عبر وسطاء مثل معهد “ارافا” الذي يتواصل مع منظمات غير حكومية فلسطينية.
ويشدد رئيس “آرافا” دافيد ليرير على أن الهدف “هو تسريع وتيرة المشروع في العام 2021” وتوفير مولدات مياه في مدارس في قطاع غزة، معربا عن أمله بحصول “ليس فقط ثورة مياه” في غزة بل أيضا “منعطف للخروج من الدوامة السلبية” للعلاقات بين إسرائيل وغزة.