يرسم الإعلان الرسمي عن إطلاق “منظمة التعاون الرقمي”، بقيادة المملكة العربية السعودية، وبمعية كل من “البحرين، والأردن، والكويت وباكستان”، مسارات استراتيجية اقتصادية شرق أوسطية ستدعم اتجاهين رئيسيين، الأول إعادة تشكيل منظومة الاقتصاد المعرفي القائم على التحول الرقمي، والاتجاه الثاني يتبلور في دفع دول الأعضاء المؤسسين إلى بذل المزيد من الاهتمام والتكامل لتبني التكنولوجيا كأحد الحلول الفعّالة لمواجهة التحديات المقبلة، خاصة ما يرتبط بسد الفجوة الرقمية، وتطوير المعايير الرقمية للانفتاح والشفافية والتوافق، وتسخير الفرص الرقمية لخلق وظائف جديدة وأفضل.
كمتخصص في الجانب التكنولوجي، تابعت باهتمام تداعيات الإعلان التأسيسي للمنظمة الجديدة الوليدة، وهي معنية بتعزيز التعاون في جميع المجالات المدفوعة بالابتكار وتسريع نمو الاقتصاد الرقمي، وترتكز رؤيتها على تحقيق المستقبل الرقمي للجميع من خلال تمكين المرأة والشباب ورواد الأعمال، وتنمية الاقتصاد الرقمي الذي خيم على قمة رئاسة مجموعة العشرين التي استضافتها السعودية، وذلك من أجل تعزيز القفزات التنموية القائمة على الابتكار.
بلغة العالم اليوم، يجب أن نفهم أن التحول الرقمي لم يعد مجرد ترف تقني تفاخر به الدول بين بعضها البعض، بقدر ما أصبح واقعًا مؤثرًا في بناء الاقتصادات القوية والمستدامة؛ لأن الازدهار المستقبلي مرتبط بـ “الاقتصاد الرقمي”، وهو ما أفصح صراحة معالي وزير الاتصالات وتقنية المعلومات، المهندس عبدالله السواحه، كاشفًا بأن طموح المنظمة الجديدة هو تنمية الاقتصاد الرقمي المشترك بين الدول الأعضاء إلى تريليون دولار في غضون السنوات الخمس المقبلة.
ومن التفاعلات المهمة حيال تأسيس “منظمة التعاون الرقمي”، ما ذكره وزير الخارجية الباكستاني “شاه محمود قرشي”، في حسابه الشخصي على منصة تويتر @SMQureshiPTI))، الذي بارك إطلاقها وتأكيده بأنها جاءت في الوقت المناسب، خاصة إذا ما علمنا أن قيمة الاقتصاد الرقمي العالمي تتجاوز اليوم 11 تريليون دولار، وهو ما دفع بلده للانضمام لهذا “التكتل الاقتصادي الرقمي”، لأنه باختصار “مستقبل المستقبل”.
ما يطمئن الحالمين، أن القيادة السعودية تعي بشكل متعمق أهمية إنشاء تكتل إقليمي ودولي، يتجاوز حدود الجغرافيا والجنسيات من خلال إنشاء منظمة عالمية تُسهم في تنمية “الاقتصاد الرقمي”؛ وتفتح المزيد من الأسواق الجديدة غير التقليدية، وأخذ حصتها من كعكة الاقتصاد الرقمي العالمية، وهي خطوة ليست سهلة ولكنها أيضًا ليست مستحيلة، وما تأسيس هذه المنظمة إلا بداية للازدهار المقبل إن شاء الله.
ربما السؤال الذي يدور في أذهان البعض: لماذا تبنت السعودية تشكيل هذا التكتل الاقتصادي الرقمي؟ وهو تساؤل مشروع 100%، وللإجابة عليه نعود إلى تقرير التنافسية العالمي الصادر في سبتمبر الماضي عن المركز الأوروبي للتنافسية الرقمية المستند على تقرير التنافسية لمنتدى الاقتصاد العالمي، وتسيد السعودية المرتبة الأولى بين قائمة دول مجموعة العشرين (G20) في التنافسية الرقمية خلال السنوات الثلاث الماضية، ولم يكن ذلك ليتم لولا فضل الله ثم بفضل القفزات النوعية التي حققتها المملكة على مستوى البنية الرقمية، وتنمية القدرات الرقمية، والمشاريع الرقمية الضخمة، ونضج التنظيمات والتشريعات الرقمية. (المرجع)
وأثبتت المملكة خلال رئاستها لمجموعة العشرين على الدور المحوري الذي تلعبه الرقمنة والاقتصاد الرقمي في التصدي للتحديات الحالية والمستقبلية، وتشكيل آفاق جديدة من خلال تطويع تقنيات تتمحور حول الإنسان، وتعزيز نمو الاقتصاد الرقمي لدعم مرحلة التعافي الاقتصادي العالمي بعد جائحة كورونا، لذلك عملت على قيادة التوافق بين المجموعة حيال أبرز المجالات ذات الأولوية في الذكاء الاصطناعي الموثوق، والتدفق الحر للبيانات مع الثقة، والمدن الذكية، والأمن في الاقتصاد الرقمي، والخروج بخارطة طريق نحو إطار مشترك لقياس الاقتصاد الرقمي؛ للإسهام في سدّ الفجوات على مستوى القياس والتنفيذ، وتحديدًا فيما يتعلّق بالاقتصادات النامية، وتعزيز قابلية المقارنة ما بين المؤشرات، ما يساعد في تحسين القدرة على رصد الأثر الاجتماعي والاقتصادي للاقتصاد الرقمي.
لقد اتخذت السعودية قفزات نوعية لتسريع التحول الرقمي وتبني أنظمة الاتصالات وتقنية المعلومات وتفعيل استخداماتها للوصول إلى مجتمع معلوماتي واقتصاد رقمي، إلى جانب تحقيق معدلات عليا من الرفاهية للمواطن والمقيم وتسهيل أمور حياتهم المعيشية. وللوصول إلى هذه الرؤية عملت على تطوير العمل الحكومي، ونشر مفهوم التعاملات الإلكترونية في الجهات الحكومية المختلفة؛ لتكون نموذجًا رقميًا يحقق الاستدامة الاقتصادية والريادة العالمية، ويحسن من جودة الحياة.
في اعتقادي المهني، أن المنظمة الجديدة لن تعمل فقط على تحفيز الاقتصاد الرقمي وتسريع وتيرة التحول الرقمي، بل ستفتح المجال واسعًا أمام مزيد من التحالفات الكبيرة بين القطاعين الحكومي والخاص من الشركات التقنية العالمية، وهو بُعد مهم للتنمية الرقمية الاقتصادية.
ونجحت السعودية من خلال تأسيس التكتل الاقتصادي الرقمي، إلى تبني مشروع “الأهداف العالمية المستدامة 2030” التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، خاصة من جوانب “تعزيز الابتكار، واستدامة الاقتصاد”، وهو ما ركز عليه أمين عام الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU) هولين جاو (الشريك المعرفي لمنظمة التعاون الرقمي)، في تغريدة له على تويتر، وهو ملمح لا يمكن التغافل عنه، كونه يدل على عمق التفكير السعودي من تأسيس المنظمة الجديدة.
أخيرًا.. يجب أن نعلم أن تأسيس المنظمة الجديدة يعطي المملكة مصداقية عالمية، من خلال ترجمتها لتوصيات مجموعة التواصل (G20) للعلوم، التي أكدت على أهمية استبصار المستقبل وتبني الرؤى بعيدة المدى في الصحة والاقتصاد الدائري والثورة الرقمية لتخطي التحولات الحرجة في المستقبل القريب .. وتأكدوا أن مستقبلنا مرتبط بالاقتصاد الرقمي.
م. ثامر الحربي ،رئيس مايكروسوفت العربية