مبادرة “عام الخط العربي” من مبادرات وزارة الثقافة التي تُعنى بتعزيز الثقافة العربية والتي يُشكل الخط العربي وعاءً حاوياً لها، وتضمنت هذه المبادرة الثقافية الأصيلة عدة برامج وأنشطة ذات اتصال وثيق بالمجتمع واهتماماته، ومنها التعاون الذي جرى بين وزارة الثقافة ووزارة الرياضة بشأن تعريب أسماء اللاعبين على القمصان التي سيرتدونها في مباريات دوري كأس الأمير محمد بن سلمان للموسم المقبل، وذلك دعماً لمسألة التعريب وترسيخاً لفنون الخط العربي، وهو ما وصفه أكاديميون وخطاطون بالخطوة المهمة التي تؤكد أهمية وتأثير “عام الخط العربي” على الحياة العامة في المملكة.
ثوابت الهوية
وأشاد وكيل وزارة الإعلام وعضو مجلس الشورى سابقاً د. عائض الردادي بمبادرة “عام الخط العربي” بشكل عام، معتبراً إياها نقلة نوعية وداعمه للهوية الوطنية المنبثقة من الهوية العربية الأصيلة. واصفاً خطوة تعريب الأسماء على قمصان اللاعبين بالرائعة والمهمة لإعطاء المبادرة الوهج الإعلامي الذي تستحقه. معتبراً مبادرتي “عام الخط العربي” و”مجمع الملك سلمان العالمي لخدمة اللغة العربية” خطوتين في غاية الأهمية لتوعية الشباب بأهمية اللغة في صناعة الهوية الثقافية.
وقال د. الردادي إن “الاحتفاء بعام الخط العربي من خلال كتابة أسماء اللاعبين باللغة العربية، قرار موفق جداً، فاللغة هي عماد الثقافة ووعاؤها ووسيلتها لتعميق الانتماء الثقافي والوطني في نفوس الناشئة، واللغة أول ثابت من ثوابت الهوية، ولذا نشهد في العالم تمسك كل شعب بأن يتكلم ويكتب بلغته الأم، لأن اللغة موضوع سيادي عند كل الشعوب، فالمحافظة عليها تعتبر محافظة على الهوية الوطنية”.
وأضاف د. الردادي: “بما أن اللغة هي سياج الثقافة، والتخلي عنها أو عدم الاهتمام بها يعد هزيمة ثقافية، فإن الكتابة بها من أهم أساليب التوعية بأهميتها، لذلك تعتبر هذه المبادرة المتمثلة بكتابة أسماء اللاعبين باللغة العربية وتحديداً بخط الثلث، من أهم وسائل التوعية للشباب، حيث من المعروف بأن رياضة كرة القدم يشاهدها الآلاف، عدا أن المباريات منقولة لدول العالم، مما يعرف باللغة وجمال الحرف العربي، الذي يعتبر من أجمل ما تكتب به اللغات، وهو ما جعل الخطاطون يتفننون في أشكاله”. مؤكداً على حاجة الشباب إلى التوعية بأهمية لغتهم وحرفهم العربي، في زمن يشهد صراع الثقافات، بينما الأمة التي توعي شبابها بلغتها، هي أمة متحضرة حريصة على الحفاظ على هويتها الثقافية.
خطاب العفوية
من جهته قال الأستاذ المشارك في قسم البلاغة والنقد بجامعة أم القرى د. سعود حامد الصاعدي: “لقد سعدنا جداً بالخبر الجميل المتمثل بمبادرة وزارة الثقافة بالتعاون مع وزارة الرياضة في تعريب الأسماء على قمصان اللاعبين، والتي سيكون لها أثر عميق في نفوس الشباب تجاه اللغة العربية، وسيظهر ذلك على المدى الأبعد، من خلال شيوع رسم الخط العربي بصريّاً عبر تكراره حتى يستقر في الذهن والذاكرة”. وأضاف: “في نظري أن هذا التواصل العفوي من خلال الخطاب الإشهاري، الرياضة نموذجاً، من أنجع وأنفع الطرق في تكريس الظاهرة اللغوية والإملائية معاً، بالإضافة إلى الذوق الجمالي الذي يحضر في ظلال خط الثلث”. مقدماً شكره لوزارة الثقافة على هذه الخطوة السديدة في الطريق إلى مبادرات أخرى في خدمة “ثقافتنا ولغتنا العربية”.
عمق الروحانية
وأكد مشرف النشاط الثقافي السابق في تعليم الشرقية علي طاهر بأن نتائج هذا التعاون بين وزارتي الثقافة والرياضة ستكون كبيرة جداً وستصيغ وجدان وفكر وإحساس وذوق الشباب السعودي والعربي على المدى البعيد. وقال: “يُنقل عن بيكاسو قوله “إن أقصى نقطة أردت الوصول إليها في فن الرسم وجدت أن الخط العربي قد سبقني إليها منذ أمد بعيد”، فمن المعروف بأن روحانية الخط العربي تحقق للمشاهدين والمتفاعلين معه راحة نفسية، ومتعة بصرية من خلال تناسقه ورشاقته، وهندسته الإبداعية في تشكيله الفني بين المد والبسط، والاستدارة والاستطالة، والتشابك والزخرفة، وهو ما يعزز عمقه الدلالي الجمالي، لدى المتابع وبالتالي الارتباط بأصوله ومرجعيته”.
وقال علي طاهر إن اعتماد الخط العربي في المجال الرياضي سيعمق الارتباط الوجداني لدى الشباب باللغة العربية “من خلال التفاعل البصري الجمالي المتكرر مع الخط العربي مما يعزز التمسك به لخصوصيته وتفرده والعمل على إجادته ونشره”.
فنون جمالية
وأثنى الخطاط حسن آل رضوان على تضافر جهود وزارتي الثقافة والرياضة لدعم وتعزيز الهوية العربية والإسلامية “من خلال إعطاء فن الخط العربي مساحة أكبر من شأنها أن تشكل تغيراً إيجابياً كبيراً في فكر الأجيال الشابة والناشئة”. وقال: “رغم وجود التحديات والصعوبات التي يعيشها العالم أجمع ممثلاً بجائحة كورونا، إلا أن جهود وزارة الثقافة لم تتوقف ومنها الاهتمام بالخط العربي وتوفير كامل الدعم للمحافظة عليه كثابت من ثوابت الهوية الوطنية. وهذه المبادرة والموجهة لشريحة كبيرة تتمثل بشباب المملكة تأتي امتداداً للعديد من المبادرات المبهجة في مجالات الثقافة والفنون المختلفة”.
وأضاف آل رضوان: “المبادرة تستكمل دائرة العناية بفن الخط العربي، خصوصاً وأنها موجهة لشريحة الشباب الذين يهتمون بالرياضة وكرة القدم، ومن المؤكد بأنهم سيلاحظون جماليات الحرف العربي على قمصان اللاعبين، ما سيدفعهم للاطلاع بشكل أكبر على نوعية الخط المستخدم، وربما محاولة تقليده وهو ما سيؤدي بشكل غير مباشر لزيادة تدربهم على تطوير وتحسين مستوى جمالية الخط لديهم، كما أن المتابعين وعشاق كرة القدم يقتنون قمصان اللاعبين كنوع من التشجيع والتحفيز لأنديتهم، وهو ما سيزيد من انتشار تلك القمصان المزينة بخط الثلث الجميل سواء في المدرجات الرياضية، أو الأماكن العامة”.