تتمتع المملكة بشبكة واسعة من الموانئ البحرية على امتداد ساحلي البحر الأحمر والخليج العربي،وتشكل منافذ حيوية مع العالــم الخارجــي، وبوابة إلى العالــم، ومحــوراً للتجــارة العالميــة على مرّ الأزمنة، مســتفيدة مــن الخصائص الفريــدة والموقع الجغرافي الإستراتيجي للمملكة مما جعلها مركزاً يربط القارات الرئيسة الثلاث، فرافقت نهضة الوطن وباتت اليوم من أهم الموانئ البحريــة الإقليميــة، ومقصــداً لكبرى خطــوط الملاحة البحريــة العالميــة.
وحظيت الموانئ بدعم سخي من القيادة الرشيدة حيث أولى الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – طيَّب الله ثراه – هذا القطاع الحيوي اهتماماً وعناية ، وتابع من بعده أبناؤه البررة حتى هذا العهد الميمون لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله -، الذي وصل في عهده هذا القطاع غاية التطور.
وبدأت الموانئ السعودية انطلاقاتها مع توحيد المملكة ،واكتسبت أهمية كبيرة بعد اكتشاف النفط في المملكة وازدهار الاقتصاد السعودي، حيث زادت أحجام الواردات وتجاوزت قدرات الموانئ، من هنا أطلق الملك عبدالعزيز إشارة البدء لتطوير منظومة الموانئ السعودية، وجعلها جزءاً أساسياً من برنامج التنمية، فصدرت مراسيم ملكية تتعلق بالجوانب التنظيمية المالية والإدارية لقطاع الموانئ.
واشتملت التحسينات الأخرى في عهد الملك عبدالعزيز – طيَّب الله ثراه – على إنشاء منارات، ووضع علامات إرشاد ملاحية لتحسين مستويات الدخول والخروج والسلامة، كما تضمن برنامج تحديث الموانئ، رفع مستوى الموانئ الرئيسة، التي من خلالها يمكن للمملكة استيراد كميات هائلة من المواد اللازمة لتنمية البلاد، وأعطى توجيهاته لمنح الموانئ دوراً بارزاً في مسيرة التنمية الاجتماعية والتعليمية في المملكة، فعلى سبيل المثال تم إعفاء جميع اللوازم والكتب المدرسية من الرسوم الجمركية، مما سمح باستيراد كميات أكبر من المواد التعليمية، وقد أتاح تطوير الموانئ في عهد الملك عبدالعزيز استقبال أعداد متزايدة من حجاج بيت الله الحرام.
وفي عام 1939م افتتح الملك المؤسس -طيب الله ثراه- ميناء رأس تنورة ليكون أول منشأة سعودية متخصصة لتصدير النفط، وقد أصبح فيما بعد من أكبر الموانئ البترولية في العالم، حيث يستقبل أكثر من 2200 سفينة بالسنة، وتصدر من خلاله أكثر من 20% من مبيعات النفط بالعالم.
كما أجرى الملك عبدالعزيز عدة إصلاحات في ميناء جدة الإسلامي، حيث تم بين عامي 1949-1951م استصلاح أرض مجاورة للميناء القائم وإنشاء رصيف بحري مع أماكن رسو للسفن ذات الغاطس متوسط الحجم، ورافعة لرفع الشاحنات الثقيلة، وإنشاء أرصفة تحميل إضافية، فضلاً عن مستودعات مسقوفة ومبانٍ للإدارة.
كما أنشئ ميناء الدمام بأمر من الملك عبدالعزيز، الذي رأى إنشاء ميناء تجاري كبير يمكنه استقبال السفن الضخمة التي تنقل مستلزمات أعمال صناعة النفط ومعداتها، فضلاً عما سيكون لهذا الميناء من فوائد جمة للاقتصاد الوطني، حيث كان يتكون عند إنشائه من رصيف واحد فقط ويستوعب سفينتين.
ومثلما شهدت الموانئ السعودية العديد من الإنجازات في عهد الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه-، فقد اقتفى الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود – رحمه الله – أثر والده باستكمال المشروعات التي خطط لها وحالت وفاة المؤسس دون إكمالها.
ونظراً للنمو المتزايد وازدحام حركة السفن في ميناء الدمام، فقد قام الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود – رحمه الله – بافتتاح التوسعة الجديدة في ميناء الدمام عام 1381هـ- 1961م، شملت إقامة جزيرة اصطناعية يبلغ رصيفها 600 متر وعرضها 200 متر، وقد أقيمت على طول الرصيف ثماني رافعات ضخمة، بحيث يستطيع الرصيف استقبال أربع سفن كبيرة في آنٍ واحد، وقد مدت إلى هذه الجزيرة خطوط للسكة الحديد لتسهيل عملية التفريغ والشحن.
كما قام الملك سعود -رحمه الله- بتغيير مسمى ميناء الدمام إلى ميناء الملك عبدالعزيز، وتم أيضاً إنشاء أول رصيف بحري لاستقبال البواخر في ميناء جدة لراحة الحجاج.
وسار الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود – رحمه الله – على نهج والده الملك عبدالعزيز وأخيه الملك سعود -رحمهما الله-، فقد أولى الموانئ عناية خاصة، إيماناً منه بأهميتها في دعم الاقتصاد السعودي، فقد افتتح الملك فيصل ميناء ينبع التجاري عام 1385هـ، وهو الميناء الذي يعد المنفذ البحري والإستراتيجي الأهم لمنطقتي القصيم والمدينة المنورة، وبوابة مهمة لانتقال التجارة منها وإليها.
وفي عام 1972م أطلق الملك فيصل – رحمه الله – على ميناء جدة اسم ميناء جدة الإسلامي، وذلك لما للميناء من أهمية ومكانة تاريخية نابعة من كونه بوابة رئيسة للمدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة، ويستقبل حجاج بيت الله الحرام من كل حدب وصوب.
كما شهدت الموانئ السعودية العديد من الإنجازات في عهد الملك خالد بن عبدالعزيز آل سعود – رحمه الله -، ففي عام 1976م تم افتتاح ميناء جازان الذي يعُد ثالث موانئ المملكة من حيث السعة على ساحل البحر الأحمر، ويعد البوابة الرئيسية لواردات الجزء الجنوبي الغربي من المملكة، ويقع ميناء جازان في أقصى الجنوب الغربي للمملكة، وشهد عدة مراحل تطويرية شملت الأرصفة والتجهيزات والخدمات المساندة.
وقد افتتح الملك خالد – رحمه الله – المرحلة الأولى من ميناء الجبيل التجاري عام 1397هـ- 1977م، وتضمنت هذه المرحلة إنشاء رصيفين طول كل منهما 500 متر بعمق 12 متراً، وافتتح في عام 1379هـ، واكتملت مرافقه في عام 1400هـ، وقد كان ذلك بداية لبرنامج ضخم أدى في النهاية إلى إنشاء ميناء مؤلف من 16 رصيفاً على ساحل الخليج العربي.
وقد شهد ميناء ينبع التجاري تطوراً كبيراً في عهد الملك خالد -رحمه الله-، حيث قام بالتوسعة الثانية في ميناء ينبع التجاري، وبنهاية عام 1978م كانت ينبع تضم ما مجموعه 9 أرصفة، مما سمح للميناء بتفريغ 14 سفينة في وقت واحد، كما استطاع الميناء مناولة سفن أكبر حجماً.
وقد ظهرت في هذه الفترة أزمة شكّلت تحدياً كبيراً أمام المملكة العربية السعودية، وهي أزمة الاختناق في الموانئ السعودية، مما دعا القيادة الرشيدة إلى اتخاذ قرار تاريخي بإنشاء كيان مستقل للإشراف على الموانئ السعودية وتطويرها وتحديثها، وفق أفضل التقنيات العالمية، ففي تاريخ 1/9/1396هـ (1976م) تم إنشاء المؤسسة العامة للموانئ كمؤسسة عامة مستقلة ترتبط برئيس مجلس الوزارة مباشرة، وكانت المؤسسة هي الجهاز الحكومي الوحيد الذي يتمتع بهذا المستوى العالي من الاتصال مع الحكومة، إدراكاً بأهمية الدور الحيوي الذي ستقوم به الموانئ من إقامة المشاريع التنموية للدولة، وتنفيذ إستراتيجية اقتصادية طموحة.
وقد واصل الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود – رحمه الله – دعم الموانئ ، فقد تم في عهده الميمون إنشاء ميناء الملك فهد الصناعي في ينبع عام 1980م، وذلك لخدمة المجمعات الصناعية وتلبية متطلباتها وتصدير منتجاتها، وشكل في حينها أحد أهم موانئ المملكة بصفة عامة والموانئ التجارية بصفة خاصة، كونه الأكبر في تحميل الزيت الخام والمنتجات المكررة على ساحل البحر الأحمر.
إضافة إلى افتتح الملك فهد -رحمه الله- ميناء الملك فهد الصناعي بالجبيل عام 1982م، بهدف خدمة المجمع الصناعي الكبير بمدينة الجبيل الصناعية، الذي صمم لاستيراد المواد الخام التي تطلبها الصناعات المحلية وتصدير المنتجات الصناعية، وذلك إثر تحول المملكة من دولة مصدرة للمواد الخام إلى دولة منتجة لصناعة الغاز والبترول بعدد أرصفة قياسي يصل 34 رصيفاً، منها أربعة أرصفة مخصصة لاستقبال السفن العملاقة للمنتجات المكررة، وأرصفة أخرى مخصصة لمناولة العديد من أنواع البضائع، مثل البضائع العامة والصلبة والمنتجات البتروكيماويـة والبترولية.
وفي عهد الملك فهد أيضاً تم إنشاء مجمع الملك فهد لإصلاح السفن في ميناء، الملك عبدالعزيز بالدمام، الذي يظل مرفقاً مهماً من أصول الميناء، ويضم المجمع حوضين عائمين، طاقة أحدهما 62000 طن متري ساكن، يستخدم لإصلاح السفن الكبيرة نسبياً، وحوض للسفن الأصغر حجماً له طاقة تبلغ 35000 طن متري ساكن.
كما تم في ذلك العهد افتتاح ميناء ضبا عام 1994م، فشكل رافداً من روافد التنمية في منطقة تبوك، ويؤدي دوراً مهماً في نقل المسافرين والبضائع عن طرق البحر، وقد فرض الميناء نفسه على خارطة أهـم موانئ المملكة؛ كونه يعد حلقة الربط بين المنطقة الشمالية الغربية للمملكة والاقتصاد العالمي.
واستمراراً لعمليات التطوير التي شهدتها الموانئ السعودية، فقد صدر الأمر السامي عام 1997م، بإسناد جميع أعمال تشغيل وصيانة وإدارة الأرصفة والمعدات التابعة للموانئ إلى القطاع الخاص، وفقاً للمرتكزات المتضمنة استمرار ملكية الدولة للموانئ والمنشآت، وبقاء دورها الإشرافي، وإعطاء حوافز للقطاع الخاص للاستثمار في المعدات والتجهيزات، وإدارة العمل بأسلوب تجاري يوفر المزيد من الخدمات بكفاية عالية.
وشهدت الموانئ في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- العديد من التطورات والإنجازات الحضارية، فقد تحولت إلى موانئ محورية للسفن العالمية وخطوط الملاحة المنتظمة، عبر تجهيز معظم الموانئ بأعلى الإمكانات والأرصفة والمعدات لاستقبال الحاويات العملاقة، كما تم إتاحة الفرصة الاستثمارية في أعمال الموانئ أمام القطاع الخاص بشكل أكبر لابتكار وتوفير خدمات جديدة كإنشاء محطات الحاويات ومحطات الركاب وأحواض لبناء وإصلاح السفن، بالإضافة إلى إنشاء محطتين للحاويات، إحداهما في ميناء الملك عبدالعزيز بالدمام، والأخرى في ميناء ضبا، وإنشاء العديد من الأرصفة، وذلك لتعزيز القدرات التشغيلية للموانئ.
وتعددت الإنجازات التي تحققت في قطاع الموانئ خلال السنوات الأخيرة، حيث شهد العام 2016م في بداية عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله – إنجازاً سعودياً جديداً، وهو افتتاح ميناء رأس الخير بتكلفة بلغت 2.4 مليارين ريال، ويستخدم الميناء لتصدير واستيراد منتجات عديدة مثل الأسمدة الفوسفاتية.
واستمرت الإنجازات في عهده – رعاه الله – بصدور قرار مجلس الوزراء عام 2018م، بتعديل اسم المؤسسة إلى الهيئة العامة للموانئ والموافقة على تنظيمها، مما أحدث نقلة نوعية كبيرة في أسلوب إدارة وتشغيل الموانئ، ويمنح مجلس إدارتها دوراً أكبر في الصلاحيات لتطوير منظومة العمل بأكملها.
ويُعد هذا القرار بالغ الأهمية؛ لما له من دور في تعزيز خدماتها ورفع طاقتها الاستيعابية، ودعم مسيرة البناء والتنمية في المملكة، لتحقيق أهداف رؤية المملكة 2030، حيث ستتمكن الهيئة العامة للموانئ من أداء دورها الإشرافي والتنسيقي والتشريعي بالكثير من المرونة، عبر إعطاء مجلس إدارتها صلاحيات واضحة، تسهم في سرعة الاستجابة والتفاعل مع كل ما يطرأ على صناعة النقل البحري من مستجدات.
وتنفيذاً لهذا القرار، خطت الهيئة العامة للموانئ خطوات واسعة نحو تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030، حيث نفذت العديد من مشروعات التطوير والتوسعة في جميع الموانئ لزيادة قدراتها وتحسين أدائها، كما تبنت حزمة من الإجراءات التنظيمية والإدارية التي تواكب متطلبات المرحلة المقبلة، كما أثمر الدعم الكبير الذي تقدمه الدولة لتنشيط الموانئ السعودية عن إطلاق الهيئة العامة للموانئ عشر مبادرات رئيسة، من أهمها تطوير البنية التحتية، ورفع الكفاءة التشغيلية، والإصلاح التنظيمي، ولا يزال عطاء الدولة واهتمامها بالموانئ مستمراً.
واستمراراً لتطوير خدمات المواني وتعزيز مكانتها في الريادة بين الموانئ الإقليمية والدولية، أطلقت “موانئ” عدد 4 خطوط ملاحية عابرة للقارات، لتعزيز قوة ربط موانئ المملكة مع موانئ الشرق والغرب، وزيادة التبادل التجاري بين المملكة ودول العالم.
وحققت الموانئ السعودية تقدماً في عددٍ من المؤشرات العالمية، شملت التقدم في مؤشر جودة خدمات الموانئ بفارق 4 نقاط عن العام السابق، وكذلك تقدم ترتيب المملكة بمقدار 72 مركزاً عن العام الماضي، وذلك في مؤشر التجارة عبر الحدود من المرتبة 158 إلى المرتبة 86، بالإضافة إلى تسجيل موانئ المملكة تقدماً في مؤشر اتصال شبكة الملاحة البحرية مع خطوط الملاحة العالمية بنسبة 22%.
وفي إطار ترسيخ مكانة المملكة كمركزٍ للخدمات اللوجستية العالمية، وقعت الهيئة العامة للموانئ خلال هذا العهد الميمون، 3 عقود للإسناد لتطوير وتشغيل محطات الحاويات بميناءي جدة الإسلامي والملك عبدالعزيز بالدمام، بقيمة استثمارات بلغت 16 مليار ريال، التي تأتي تفعيلاً لمذكرات التفاهم التي وقعتها الهيئة تحقيقاً امستهدفات برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية ضمن برامج رؤية المملكة 2030.
كما وقعت الهيئة العامة للموانئ والشركة السعودية للاستثمار الزراعي والإنتاج الحيواني “سالك” -مؤخراً-، اتفاقية تأجير بمساحة (313 ألف م²) في ميناء ينبع التجاري، لغرض إنشاء أول وأكبر محطة إقليمية لاستيراد ومعالجة وتصدير الحبوب في المملكة على مرحلتين، بطاقة إجمالية تبلغ 5 ملايين طن سنوياً.