حين يعزم الحاج أو المعتمر على أداء أي من الفريضتين أو كلاهما، يتحتم عليه معرفة أمران أساسيان في الشرع المطهر، وهما المواقيت الزمانية والمواقيت المكانية للحج والعمرة.
وتبرز الحكمة من مشروعية هذه المواقيت في تعظيم بيت الله الحرام، حيث جعل الله حصنا وحمى فالحصن هو مكة المكرمة والحمى هو الحرم، وللحرم حرم وهي المواقيت التي لا يجوز للراغب في الحج أو العمرة تجاوزها إليه إلا بإحرام؛ تعظيماً لله تعالى.. ولبيته الحرام.
ولمواقيت الإحرام المحددة لقاصدي المسجد الحرام بنية تأدية الحج والعمرة قسمان، هما المواقيت الزمنية التي حددها الله تعالى تعظيمًا وحرمة لبيته الحرام، والهدف هو تجنب كل ما يخل بالحج من الأقوال والأفعال المحرمة والانشغال بفعل الخيرات وملازمة التقوى.
وتبدأ المواقيت الزمنية في شهر شوال وتتواصل إلى شهر ذي القعدة وعشر من ذي الحجة، أما المواقيت المكانية، فقد حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم في 5 مواقع مختلفة باتجاه مكة المكرمة، وهي المواقع التي لا يجوز للحاج أن يتعداها إلى مكة بدون إحرام، وقد بينت كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال: (وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج أو العمرة، ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة) متفق عليه، ولمسلم من حديث جابر: (ومهل أهل العراق ذات عرق) “.
ويعرف ميقات “ذي الحليفة” حالياً بـ (آبار علي) وهو ميقات لأهل المدينة المنورة، ومن على طريقهم ويبعد عن مكة 450 كلم، وسمي بالحليفة نسبة لتصغير نبت “الحلاف “الذي اشتهر بكثرته في الموقع، ويقع مسجده شمال مكة المكرمة، ويبعد عن المسجد الحرام 433 كلم، ويرتفع موقعه عن مستوى سطح البحر بـ 640 متراً، وميقات “الجحفة” الواقع في الشمال الغربي من مكة المكرمة، والجنوب الشرقي من مدينة رابغ، ويحرم منه أهل الشام ومصر والمغرب وعموم حجاج إفريقيا ومن أتى على طريقهم، ويبعد عن مكة المكرمة 180 كلم، واستبدل عنه بميقات آخر في رابغ القريبة منه بمسافة 17 كلم.
أما ميقات “قرن المنازل” أو “قرن الثعالب” فيعرف الآن (بالسيل الكبير) وهو ميقات أهل نجد وأهل الخليج ومن أتى على طريقهم، ويقع شمال الطائف بـ 55 كلم، بارتفاع 1200م عن سطح البحر، ويبعد عن مكة المكرمة مسافة 75 كلم تقريبا، ويضم مسجداً مجهزا بجميع الخدمات التي يحتاجها المعتمرين والحجاج، ويحتوي على مواقف واسعة للسيارات، ومساحات خضراء، وخزانات للمياه، ودورات مياه.
أما حجاج الطائف وجنوب المملكة وحجاج اليمن الحجازي فيحرمون من أعلى السيل، من المسجد المعروف بـ “وادي محرم”، ويقع في الشمال الغربي من الطائف، ويبعد عنها مسافة 10 كلم، حيث اجتهد العلماء وحددوه ميقاتاً أعلى للقرن، وذلك عند إنشاء طريق “الهدى”، ويتميز بموقعه المرتفع عن سطح البحر بـ 2000 متر، وميقات “يلملم” القديم ويرجع اشتقاق مسماه نسبة إلى “جبل لملم” حسب نطق قاطنيه، ويقع المسجد الجديد للميقات المسمى (بالسعدية) جنوب مكة المكرمة وإلى الجنوب الغربي من المسجد القديم، ويبعد عن مكة حوالي 130 كلم، وعن موقع الميقات القديم 21 كم، ويقع على الضفة الشمالية لوادي “يلملم” بالقرب من بئر السعدية، ويرتفع عن مستوى سطح البحر 60 مترا، ويعد ميقاتا لأهل تهامة والساحل اليماني ومن في طريقهم وحجاج إندونيسيا وماليزيا والصين والهند، وغيرهم من حجاج جنوب آسيا، حيث يحتوي على مرافق خدمية من دورات مياه، ومحطتي معالجة لتحسين مياه الشرب، وتدوير مياه المواضئ، كما يضم مواقف للسيارات، ومساحات خضراء، ومولدات كهربائية احتياطية.
ويعود مسمى ميقات “ذات عرق”، إلى جبلٍ يقدر ارتفاعه 1141 مترا عن مستوى سطح البحر، ويعلوه “عرق” أسود بامتداد حوالي 1500 متر من الجنوب الغربي إلى الشمال الشرقي، وهو ميقات أهل العراق وشمال المملكة ويقع شمال مكة المكرمة.
وعملت وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد خلال شهر فبراير من العام الجاري 2019 على إعادة إحياء مشروع تأهيل “”ذات عرق”، الذي تقدر تكلفة إكماله بـ 68 مليون ريال، ويحتوي على جامع كبير يتسع لأكثر من 4000 مصل، ومغسلة للموتى، ويبلغ عدد دورات المياه 256، “182” للرجال و”74″ للنساء، على أن يكون منها عدد يخدم ذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن، فيما يبلغ عدد المواضئ “208” للرجال والنساء، إضافة إلى المحلات التجارية البالغ عددها 21 لتلبية حاجه الحجاج والمعتمرين.
كما يضم المشروع: عيادة طبية، ومكاتب إدارية، ومكاتب للجهات الحكومية ذات العلاقة، ومبنى للتوعية والإرشاد، وسكناً للإمام والمؤذن، وسكناً للعاملين وآخر للعاملات، وثالثاً للضيوف، ومركز خدمات للسيارات، وقناة محيطة بالمشروع لدرء أخطار السيل، وجسرين لدخول السيارات والحافلات، كما يحيط بالمشروع مواقف سيارات وأخرى للحافلات.
ويقع مسجد “الميقات” بمحافظة الطائف على طريق عشيرة، كما يقع إلى الشمال الشرقي من مكة المكرمة، وإلى الشمال مباشرة من مسجد ميقات السيل الكبير بحوالي 35 كلم، ويبعد عن المسجد الحرام حوالي 90 كلم، ويرتفع عن مستوى البحر بـ 1050 مترا.
ويضاف لهذه المواقيت الخمسة مسجد “التنعيم”، وهو أحد مساجد مكة المكرمة، ويعد ميقاتا لمن أراد الحج من أهل مكة المكرمة سواء من ساكنيها أو المقيمين فيها، ويقع المسجد في الجهة الشمالية الغربية من مكة المكرمة، وتقدر المسافة بينه وبين باب العمرة بـ 6148 متراً وقد اتفق العلماء أن على من دخل مكة من غير هذه المواقيت، لزمه أن يحرم إذا حاذى أقربها، فإذا لم يحاذِ بعضا، ولم يدرِك المحاذاة، لزّمه أن يحرم إذا بقي بينه وبين مكة مرحلتان، والمرحلة تقاس بمسيرة يوم.
كما تنقسم المواقيت المكانية إلى ثلاثة أقسام هي مواقيت “أهل الحرم”، الذين يقيمون في مكة سواء من أهلها أو من غير أهلها، ومواقيت “أهل الحل”، الذين يسكنون داخل المواقيت الخمسة أي بين مكة والميقات، و”الآفاقيون” أي الذين تقع منازلهم خارج المواقيت، ولا يجوز الذهاب للبيت الحرام إلا بالمرور بها والإحرام منها لأداء مناسك العمرة أو الحج، وجعلت هذه المواقيت تكريماً وتعظيماً لبيته الحرام، حيث إن في تعددها واختلاف مواقعها رحمة من الله تعالى للمسلمين وإبعاد المشقة عنهم.