يبدو أن الولايات المتحدة وروسيا تتجهان نحو نوع من المواجهة في سوريا وليبيا، مع تزايد التوترات في كلا البلدين، والضغط الذي تمارسه تركيا على الولايات المتحدة للعب دور أكبر. في 8 يونيو اتصل أردوغان بالرئيس ترامب لمناقشة الوضع في ليبيا من بين قضايا أخرى. يسلط البنتاغون الضوء على تورط روسيا المتزايد في ليبيا حيث أودت حرب أهلية دامت 10 سنوات بحياة سفير أمريكي. وواشنطن تشعر بالقلق حيال ما يجري في ذلك البلد.
في قلب هذه الحرب الباردة الجديدة في الشرق الأوسط قد تكون هناك رغبة في إغراق الروس في العديد من الصراعات. مثل معظم البلدان، لا تزال موسكو تتعامل مع جائحة كورونا في الداخل بينما فشل حليفها السوري في تصحيح اقتصاد بلاده الذي يتدهور بسرعة كبيرة. ألمح جيمس جيفري، الممثل الخاص للولايات المتحدة لسوريا، إلى أنه يريد أن يجعل سوريا «مستنقعًا» للروس، ويستحضر ذلك صور حرب الاتحاد السوفييتي في أفغانستان في الثمانينيات، التي جسدها فيلم «حرب تشارلي ويلسون».
كيف انتهى الأمر بالروس في سوريا والآن في ليبيا؟
روسيا حليف قديم لعائلة بشار الأسد، وتعمل معها منذ السبعينيات، وتمتلك موسكو منشآت بحرية وقاعدة جوية في سوريا. وفي عام 2015 تدخلت روسيا لمساعدة الحكومة السورية على الأرض وفي الجو عندما اقترب بشار الأسد من السقوط. اشتبكت روسيا مع تركيا مرات عدة هناك، كان آخرها في فبراير من هذا العام. لكن روسيا عملت أيضًا مع تركيا على تطبيق وقف إطلاق النار والدوريات المشتركة وعملية السلام في سوريا.
مؤخرًا، أرسلت روسيا طائرات ميج 29 إلى سوريا، وهي جزء من عمليات التسليم الأولى لطائرة متطورة منذ سنوات عديدة. كما قامت روسيا بتزويد دمشق بنظام الدفاع الجوي S-300. تحدت روسيا الولايات المتحدة في سوريا، ونشرت معلومات خاطئة عبر وسائل الإعلام الروسية، وأرسلت مسلحين إلى سوريا الذين اشتبكوا مع القوات المدعومة من الولايات المتحدة في فبراير 2018.
تدعم روسيا في ليبيا قوات شرق ليبيا بقيادة الجنرال خليفة حفتر الذي يعارض حكومة الوفاق الوطني في طرابلس المدعومة من تركيا وقطر. للوهلة الأولى، يبدو الصراع الليبي وكأنه حرب بالوكالة بين تحالفات مختلفة في الشرق الأوسط. وقد استمر الأمر ذهابًا وإيابًا لسنوات. بدت الولايات المتحدة مترددة في القيام بدور قوي في ليبيا منذ مقتل السفير الأمريكي كريستوفر ستيفنز في بنغازي في عام 2012، وهو الحادث الذي أصبح فضيحة سياسية كبيرة في واشنطن.
ومع ذلك، فقد كان الصراع الليبي على رادار واشنطن مؤخرًا؛ لأن تركيا زادت من تدخلها في ليبيا بإرسال طائرات بدون طيار ومرتزقة سوريين إلى طرابلس. وأرسلت روسيا بدورها طائرات حربية إلى ليبيا، ودقت القيادة الإفريقية الأمريكية ناقوس الخطر بإعلانها تفاصيل عمليات نقل الأسلحة. يجب على البيت الأبيض أن يقرر ما إذا كان جادًّا في مواجهة روسيا في سوريا وليبيا على الرغم من التوترات مع إيران التي تلوح في الأفق. سيكون من الصعب على إدارة ترامب معالجة القضايا المحلية مثل كورونا والاحتجاجات الضخمة حول قوة الشرطة، وفي الوقت نفسه التعامل مع الإيرانيين والروس. مصر وفرنسا وألمانيا وغيرها تضغط من أجل وقف إطلاق النار في ليبيا. من المفترض أن لقاء قد تم بين كبار المسؤولين الأمريكيين والروس في فيينا في 22 يونيو الماضي لإجراء محادثات للحد من التسلح. ليبيا ليست على جدول الأعمال، ولكن إذا حاولت الولايات المتحدة دفع روسيا في سوريا وليبيا فقد يؤثر ذلك على المناقشات.
يجب على الولايات المتحدة أن تضع أهدافًا واضحة وقابلة للتحقيق في سوريا وليبيا؛ حتى لا يقع مواطنو تلك الدول في حرب جديدة بالوكالة، لا تشمل فقط الروس، ولكن إيران وتركيا في سوريا، أو مصر وتركيا في ليبيا.
على نطاق أوسع، هناك سؤال حول ما إذا كانت الولايات المتحدة ستستمر في لعب دور الحكم في نزاعات الشرق الأوسط، أم إنها قررت السماح لروسيا وتركيا ودول أخرى بالقيام بدور السائق في هذه الصراعات؟!
حتى الآن يبدو أن موسكو وأنقرة هما من يقودان السيارات بينما اكتفت واشنطن بالجلوس في المقعد الخلفي، تراقب وتعبّر عن القلق، لكنها تحجم عن الانخراط بشكل أعمق.
** **
سيث ج. فرانتزمان – المدير التنفيذي لمركز الشرق الأوسط – عن (ذي هيل) الأمريكية