أحدثت منصات التواصل الاجتماعي والميديا فورة كبيرة في احتضان الآراء والأفكار والقضايا الإنسانية الراهنة وتنقلها عبر مواقع الإنترنت بشكل لم يسبق له مثيل من قبل من جهة التفاعل والتعقيب والنقاش، في فورة معرفية عالمية نقلت النبض الإنساني بتنوعه كاسرة لحدود المكان والزمان معا.
ولعلنا نلحظ أن للمرأة السعودية حضورا كبيرا في هذه المنصات، معبرة عن رأيها وأفكارها ومساهمة في القضايا العامة، محليا وعربيا ودوليا، حيث أتاحت لها هذه المنصات منبرا رائعا للبوح والكتابة.
لقد كانت المرأة السعودية تعبر أولا بأشكال فنية ورمزية كما في الشعر والقصة القصيرة والرواية والكتابات الأدبية، بيد أن ظهور هذه المنصات الاجتماعية أحدث نقلة كبرى في اتساع أفق التعبير وأفق البحث وطرح الأفكار.
وفي أحدث كتاب للدكتورة هند السديري بعنوان:
(دور منصات التواصل الاجتماعي في دعم حرية التعبير لدى المرأة السعودية) تناقش المؤلفة موضوع حرية التعبير والكتابة لدى المرأة السعودية في الألفية الثانية والتغيرات التي طرأت على اللغة المستخدمة والأسلوب الكتابي كما تحلل هذه التغيرات والقضايا التي تتناولها هذه الكتابات وكيف تأثر كل ذلك باستخدام منصات التواصل الاجتماعي على اعتبار أن التعبير اللفظي والكتابي هو جزء من هوية الأنثى، وهو كذلك يمثل عاملا رئيسيا في تشكلها ولذلك فإن الهوية جزء لا يتجزأ من الوضع الاجتماعي ونطاق المشاركة في مختلف القضايا التي تلامس الوطن وتنميته.
الكتابة والأثر
يتتبع هذا الكتاب الاهتمام المتزايد بالكتابة في وسائل التواصل الاجتماعي بالإضافة إلى دراسة تأثيره الكبير على الكاتبات السعوديات، ويمكن لمس ذلك في مطالبهن والأفكار التي يطرحنها في أعمدتهن الصحفية. ولوسائل التواصل الاجتماعي تأثير هائل على كتابات المرأة السعودية. حيث كانت البداية في غرف الدردشة في العالم الافتراضي للشبكة العنكبوتية والمدونات،وكانت تناقش وتشارك في الأغلب باسم مستعار او الأحرف الأولى من اسمها وبعد ذلك ومع إطلاق تويتر والفيس بوك أفصح البعض عن أسمائهن الحقيقية.
تويتر والصوت النسوي
يتناول الكتاب في تحليله منصة توتير وذلك لأن 40% من المستخدمين في الشرق الأوسط سعوديون. كما أن العلاقة بين الكتابة والتغريد أكثر وضوحا في منصة تويتر من مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى. ويمنح تويتر المستخدم الفرصة لاستعراض جميع تغريدات الآخرين ماعدا الحسابات المحمية. كما يستطيع المستخدم المشاركة في أي نقاش أو هاشتاق على عكس منصة الفيس بوك مثلا حيث لا يمكن للمستخدم رؤية جميع التعليقات مالم يتم إضافتها او اقتراحها.
لذلك فإن منصات التواصل الاجتماعي تفتح الباب امام المرأة السعودية المثقفة و الذكية للتعبير عن أفكارها على مختلف المستويات بالإضافة إلى انها مصدر جيد للأخبار. لذا نشطت العديد من السعوديات من مختلف الخلفيات الاجتماعية والتعليمية والمهن على تويتر. وهناك اهتمام متزايد بالمشاركة مما يعني انهن وجدن المكان الذي يسعين اليه ليصبح قناة لأصواتهن و يسمح لهن بتناول العديد من القضايا و مناقشتها, حيث أظهرن معرفة بالقضايا السياسية و الدينية والاجتماعية والأكاديمية والاقتصادية التي كانت في معظمها مقصورة على الرجال. ومع ذلك لم تمر وجهات نظرهن بهدوء ولكن حدثت نقاشات وصلت إلى حد الجدل والاختلاف.
ويطرح الكتاب بعض النماذج والنصوص المنشورة في تويتر لأربع كاتبات سعوديات أغلبهن نشطن في العالم الافتراضي قبل تويتر، والآن ينشطن في تويتر
ويبين الكتاب أثر مشاركتهن على أسلوبهن في الكتابة الصحفية الورقية وفي اختيار الكلمات وتركيزهن على حقوق المرأة و نبش الموروث و نقده نقدا علميا تاريخيا ويستعرض بالتحليل بعض المقالات التي أثارت سجالا كبيرا بين القراء.
و يسلط الكتاب الضوء على قدرة المرأة و براعتها في مناقشة معظم القضايا كما يشير الكتاب إلى بعض العوائق التي تواجهها الكاتبة السعودية عند استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
نشر الوعي:
يتشح الكتاب بجملة من الأسئلة التي تكشف فيها المؤلفة عن عدد من التوجهات ومجالات الكتابة لدى المرأة على تويتر، فتطرح سؤالا مفاده: لماذا اهتمت المرأة السعودية بوسائل التواصل الاجتماعي وكيف انعكست مشاركتها بنشر الوعي ببعض الحقوق المجهولة والتي صمت عنها المجتمع لقرون؟
وفي معرض إيضاحها المنهجي ترى أن الحضور النسوي في منصات التواصل الاجتماعي لا يقتصر على عمر معين أو مستوى أكاديمي محدد ولكن الأغلبية تنغمس فيها. وتكشف الدراسة ان الكثير من النساء استفدن من وعي الأكثر تحصيلا أكاديميا و معرفة بحقوقهن وممن يملكن معرفة عميقة بالدين و حقوق المرأة في الإسلام بعيدا عن التفسيرات الذكورية لهذه الحقوق.
ويختلف هذا الكتاب عن غيره من الإصدارات في عدة نواح منها: أنه لا توجد دراسة تربط بين كتابة المرأة السعودية في الجريدة الرسمية و مشاركتها في مواقع التواصل الاجتماعي، وأنه من المهم معرفة كيفية مساهمة مواقع التواصل الاجتماعي في التعريف بحقوق المرأة، وأن الفورة التعبيرية التي جلبتها وسائل التواصل الاجتماعي باعتبارها جزءا من التعبير عن الذات والأمة تحتاج الى دراسة.
لقد أضحى الفضاء الافتراضي عونا للنساء للتعبير عن آرائهن بشكل منهجي و هذا يحتاج الى دراسة و قياس أثره على التغيرات المجتمعية، ولا تزال العلاقة بين حرية الكتابة واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي مجالا ناشئا من مجال البحث والتواصل والمعرفة.