وصل عناصر مسلّحون من دون سابق إنذار ودخلوا عنوة مقهى للنساء في العاصمة اليمنية صنعاء، ثم أمروا بإغلاقه فورا، في حادثة تأتي في إطار حملة لفرض قواعد اجتماعية صارمة في مناطق سيطرة المتمردين.
وعندما طلبت صاحبة المقهى بعضا من الوقت للسماح للزبائن بلملمة أغراضهن، صاح أحد المسلحين بوجهها، حسبما كتبت على فيسبوك، “فليجلسن في بيوتهن، لماذا خرجن؟”.
وتأتي حملة فرض القواعد الاجتماعية هذه لتزيد من المعاناة اليومية لليمنيين الذين يعيشون في ظل حرب دامية منذ أكثر من خمس سنوات قتل وأصيب فيها عشرات آلاف المدنيين.
وقام مسلحون في الأشهر الأخيرة بإغلاق مطاعم يختلط فيها الرجال والنساء، بينما بدأ التدقيق بقصات الشعر لدى الشبان، وسار عناصر في مجمّعات مدرسيّة وجامعيّة ليتأكدوا من التزام الطلاب بملابس معيّنة.
ونفّذت هذه الحملة من دون قرارات رسمية صادرة عن السلطة السياسية للمتمردين المؤيدين لإيران، باستثناء بعض الحالات وبينها الطلب، عبر رسالة صادرة عن جهة حكومية، من منظمات إنسانية محلية التقيّد بإجراءات معيّنة في هذا الإطار.
ودعت الرسالة إلى “استبعاد جميع الأنشطة التي تهدف إلى إثارة الضحك والمرح والترفيه بين المتمردين والذي يعمل على إذابة الفواصل وتلاشي موانع الحياء بين النساء والرجال”.
وأضافت “هذا يتنافى تماما مع تعاليم الدين الإسلامي وأخلاقيات مجتمعنا اليمني”. تدور الحرب في اليمن منذ 2014 بين المتمرّدين الحوثيين المدعومين من إيران، والقوات الموالية لحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، وتصاعدت حدّة المعارك في مارس 2015 مع تدخّل السعودية على رأس تحالف عسكري دعماً للقوات الحكومية.
وتسبّب النزاع بمقتل وإصابة عشرات الآلاف، بينهم عدد كبير من المدنيين ولا يزال هناك 3,3 ملايين نازح، فيما يحتاج 24,1 مليون شخص، أي أكثر من ثلثي السكان، إلى مساعدة، بحسب الأمم المتحدة.
وقالت ندوة الدوسري الخبيرة والباحثة في شؤون القبائل اليمنية أن الوضع في مناطق سيطرة المتمردين “يزداد تشددا”، متحدّثة عن مضايقات ضد النساء، ورأت أن هذه الحوادث “مثيرة للصدمة في المجتمع اليمني، حيث أن انتقاد ملابس الأشخاص وتصرفاتهم شيء، والقيام بمضايقتهم على خلفية ذلك شيء آخر”، معتبرة أن “هذا يتنافى مع قيمنا القبلية”.
ولطالما تمتّع اليمنيون بمساحة من الحرية على الرغم من كون مجتمعهم محافظا، حيث كانت تقام مناسبات موسيقية مختلطة وفعاليات ترفيهية.
وبحسب الباحث اليمني عادل الأحمدي، فإنّ جماعة الحوثيين “حركة قائمة على منظومة من المفاهيم والعقائد الدينية “..” انتقلت من مربع المظلوم” إلى موقع المسيطر على مقاليد الحكم.
ويتبع الحوثيون المذهب الزيدي الشيعي القريب فقهيا من السنة، ويطلق عليهم هذا الاسم تيمنا بزعيمهم الروحي الراحل بدر الدين الحوثي ونجله حسين الحوثي الذي قتلته القوات اليمنية في 2004 خلال معارك بين الجانبين، لكن اسمهم الرسمي هو “أنصار الله”،
وكان الكيان السياسي الأول الذي أسّسوه “حركة الشباب المؤمن” في 1992 الذي انطلق كتجمع سياسي يندد ب”تهميش” الزيديين الذين يشكلون ثلث سكان اليمن تقريبا.
ويقيم الحوثيون شبكة علاقات وتحالفات مع قبائل نافذة في شمال اليمن، كما استطاعوا التقرّب من المجتمع المدني مع مشاركتهم في حركة الاحتجاجات ضد الرئيس الراحل علي عبد الله صالح في 2011، قبل أن يصبحوا حلفاء له في 2014، ثم ينقلبوا عليه مجددا في نهاية 2017 ويقتلوه بعد اتهامه بخيانتهم،
ورأى الأحمدي أن الحوثيين تحوّلوا مؤخرا إلى جماعة تدّعي حماية “الدين والعادات والقيم”، وبحسب سكان في صنعاء، فإنهم لاحظوا منذ نهاية 2019، في أعقاب فترة من الخلافات مع منظمات تابعة للأمم المتحدة، تشدّدا اجتماعيا أكبر من قبل المتمردين، ومن بين الحوادث التي وقعت مؤخّرا، قام عناصر من المتمردين بتمزيق قميص احمر ارتداه أحد الشبان عشية عيد الحب في 13 فبراير، بعدما كان اليمنيون يحتفلون بهذه المناسبة بالورود والحلوى.
وأفاد مقهى مختلط في صنعاء أن “مديرية الوحدة بأمانة العاصمة” قامت مؤخرا بإغلاقه “بدون أي مسوغ أو إجراء قانوني”، وقالت إدارة المقهى في منشور “تمت المداهمة “..” والتعامل مع رواده الموجودين بطريقة غير لائقة من قبل موظفي المديرية الذين قاموا بإغلاق المبنى.
وباشروا بالكتابة على البوابات الزجاجية الداخلية”، وترى الدوسري أن أفقر دول شبه الجزيرة العربية بدأ يميل اجتماعيا نحو اعتماد النظام الإيراني المنغلق، وقالت “هم يؤسسون دولة بوليسية على غرار إيران”.