تنوعت أساليب صيد الأسماك في المنطقة الشرقية قديماً، ودأب الصيادون قبل ظهور الصناعات الحديثة على تطوير الوسائل المعينة لهم في رحلة البحث عن لقمة العيش، فابتكروا العديد من المصائد وبأحجام متنوعة تلبي احتياجاتهم.
واستعان صيادو المنطقة الشرقية على امتداد ساحل الخليج العربي في القطيف، وسيهات، ودارين، وسنابس، وجزيرة تاروت، والجبيل، وجزيرة أبو علي، بـ ” مصائد الحضرة” فكانت تستخدم في المياه الضحلة ولجميع أنواع الأسماك بحيث تنصب منفرجة من الأعلى إلى الأسفل على شكل حرف “v” قبالة الساحل مع مراعاة اتجاه وسريان الماء أثناء تحول ظاهرة المد إلى الجزر وبالتالي تحجز الأسماك في داخل الشباك ثم يجمع الصيد بآلة تسمى المسلاة، وهذه العملية كان يباشرها أهل المهنة والدراية بأحوال البحر وميزوا عن غيرهم بلقب “الأساتذة”.
وترجع تسميتها بـ “الحضرة ” كما هو شائع عند البحارة من عملية حظر خروج الأسماك من المصيدة، فيما تتكون المصيدة من أجزاء هي: السر، والحنية، واليد، والمخبأ، إضافة إلى فناء الحضرة، وجميعها تصنع تقليديًا ومنذ عشرة عقود من جريد وليف وسعف وعذوق النخل وأضيفت عليها فيما بعد الشباك الحديدية أو ما يعرف “بالسيم” وخيوط النايلون وأعواد البامبو. ونتيجة للصناعات الحديثة في وسائل صيد البحر، انحسر استخدام الأدوات التقليدية ومنها “مصائد الحضرة” وتبعها تراجع حرفيي صناعتها.
وأكد عدد من الصيادين بقرية سنابس في محافظة القطيف أهمية إحياء الطرق التقليدية في صيد البحر كما مارسها الآباء والأجداد بهدف المحافظة على نمطية وثقافة هذه المهنة المرتبطة بابن الخليج العربي.
وقال الصياد أبو موسى الزوري: “الصبر.. هو العامل الأهم لدى صيادي الأسماك..خاصة إذا كان صيد الحضرة في فصل الشتاء وما يتبع ذلك من عمل وجهد عند نصب الشباك تتوافق مع حركة المد والجزر “، مشدداً على ضرورة إنشاء تجمع لمن ورثوا هذه المهنة وهواتها حفاظاً على المهنة وتعريف جيل اليوم بها، فيما أفاد الصياد محمد الحبيب أن للأسماك ثلاث هجرات في خلال العام “الرق” وهي الأماكن الضحلة إلى “الغز” وهي أعماق البحر، حيث يتم الحساب لها لمعرفة أنواع الأسماك التي تتوفر حسب كل وقت.
من جانبه، بين الصياد علي الداود أن بحار الحضور يختلف عن بحار القوارب، فالأول يعتمد على نصب الحضرة في المياه الضحلة والقريبة وعلى معرفة بظاهرة المد والجزر ويكون في بعض أيام “سقي المايه” أي المد متواجداً وقت منتصف الليل ليتابع حركة الموج ،إلى جانب أعمال التنظيف الدورية طوال العالم وصيانة المصيدة ومعالجة ما يلحقها من تلف، لافتاً النظر إلى أن مصائد الحضرة تجمع أنواعاً متعددة من الأسماك وبمختلف الأحجام منها: البدح والشعري، والزمرور، والربيان.
بدوره، عزا مدير إدارة الثروة السمكية بالدمام حسين الناظري، تقلص أعداد مصائد الحضرات عما كانت عليه من انتشار في السابق بطول الشريط الساحلي بالمنطقة الشرقية إلى ثلاثة عوامل، أولها دخول أجزاء من الشريط ضمن المواقع الحكومية أو الأملاك الفردية والثاني تخصيص مساحات للتنزه وأخيراً لدواعي الأمن والسلامة.
وقال: “في مقابل ذلك جرى حصر المصائد وتحديد موقع لها بالقرب من محافظة الجبيل بعيداً عن النطاق العمراني وفق إجراءات تنظيمية يشرف عليها لجنة متخصصة”.
وأفاد الناظري أن الصيد بالحضرات وسيلة بسيطة غير معقدة، مسالمة وصديقة للبيئة، حيث يدخل الصياد للحضرة فترة الجزر ويقوم بجمع الأسماك ذات الأحجام الكبيرة، ويترك الأسماك ذات الأحجام الصغيرة، إلا أن بعض مستخدميها يخالفون بعض الأنظمة والاشتراطات مما يكون دافعًا لإزالتها من لجنة الإزالة المتخصصة بإشراف إمارة المنطقة.
ويحظى صائدو الأسماك في مختلف المناطق بدعم كبير من الدولة إذ تقدم لهم مختلف التسهيلات لتمكينهم من مزاولة مهنة الصيد، بوصفها قطاعاً اقتصادياً ورافداً مالياً ضمن المستهدفات الاجتماعية والاقتصادية التي جسدتها رؤية المملكة 2030 والمتمثلة في تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة توفر فرص عمل للشباب.