يقف أطفال عند باب مصنع للشوكولاتة في مدينة غزة ينتظرون الحصول على “الكرمبو”، وهو نوع من الحلوى على شكل قلب، ، في مصنع “العريس”، وعلى الرغم من عراقيل الحصار ومنع التصدير، إنتاجات “حلوة” تتنوع بين قطع الشوكولاتة الصغيرة، وصولا إلى نسخة من كريما “النوتيلا” المحلية.
يناول أحد العاملين في المصنع الواقع في شارع ترابي، الأطفال المنتظرين في الخارج الحلوى بالمجان، “الكرمبو” أو “الشتوي”، كما يطلق عليه الغزيون، حلوى مصنوعة من البسكويت الذي تعلوه الكريما المغلفة بالشوكولا، داخل المصنع، يمكن سماع صوت الآلات التي تخرج قطع البسكويت الرقيقة، أو تعجن الشوكولاتة.
وتعتمد المصانع في غزة التي يقع معظمها في منطقة المنطار أو كارني قرب الحدود مع إسرائيل، على مواد خام ومكونات مستوردة من إسرائيل وغيرها من الدول، وينطبق الأمر على “الكرمبو” الذي يتم استيراد الكاكاو المصنوع منه من الأرجنتين، والسكر من دول إفريقية، والبيض المجفف من هولندا.
وينتج المصنع أنواعا أخرى من الحلوى والموالح، ويستورد باقي احتياجاته من تركيا أو إسرائيل، لكنه ممنوع من التصدير، إذ تمنع إسرائيل بشكل شبه كلي تصدير البضائع من القطاع إلى الخارج.
ويعيش في قطاع غزة نحو مليوني فلسطيني يعانون من الفقر في ظل حصار إسرائيلي مستمر منذ حوالى 13 عاماً، ومنذ 2008، وقعت ثلاث حروب بين إسرائيل وحركة حماس التي تسيطر على القطاع، ومنذ إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب خطته للسلام في الشرق الأوسط التي لاقت رفضا فلسطينيا واسعا، سجل تصعيد في التوتر بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتشهد الحدود بين إسرائيل وقطاع غزة تبادلا شبه يومي لإطلاق النار، يبدأ بإطلاق صواريخ في اتجاه إسرائيل وترد الدولة العبرية بقصف غزة.
ويفتقد قطاع غزة الواقع على شريط ساحلي ضيق لأي مطار أو ميناء بحري، وتعتمد المصانع على الزبائن المحليين، وسمحت إسرائيل نهاية العام الماضي، وفي خطوة نادرة، بتصدير ثمانية أطنان من حلوى “الكرمبو” التي تنتجها شركة “سرايو البادية” إلى البحرين.
وسمحت مرات عدة بتصدير بعض أنواع الخضراوات والورود من القطاع إلى الخارج، ويشكو أصحاب مصنع “سرايو الوادية” من شبه انهيار للأسواق المحلية، على الرغم من أن أسعار بضائعهم تعد منخفضة مقارنة بالأسعار خارج القطاع.
ويقول رئيس مجلس إدارة الشركة وائل الوادية، “ما قمنا بتصديره هو إنتاج يوم واحد فقط”، ويضيف “لدينا 150 موظفا حاليا في الشركة، إذا فُتح الباب أمام تصدير منتجاتنا، سيخفف من أزمة البطالة، إذ سيصبح بإمكان المصنع تشغيل ما بين 300 و450 عاملا”.
وتعد معدلات البطالة مرتفعة جدا في القطاع، إذ تصل إلى 50 بالمئة، وثلثها بين الشباب، وسيطرت حركة حماس على قطاع غزة في 2007، وطردت حركة فتح منه، ولم تنجح محاولات عدة للمصالحة وتوحيد المؤسسات بين السلطة الفلسطينية التي تعد حركة فتح برئاسة محمود عباس أبرز مكوناتها وتتخذ من رام الله مقرا، وحركة حماس، ويضاف إلى خسائر التجار اضطرارهم إلى دفع مبالغ كبيرة مقابل نقل البضائع من الميناء الإسرائيلي في أشدود والواقع على بعد 35 كيلومترا إلى الشمال من القطاع.
وتتطلب هذه العملية إذنا إسرائيليا، ومن دفع رسوم ضريبية مزدوجة للحكومتين الفلسطينيتين في رام الله وغزة، ويقول الوادية “ندفع أجرة للعمال وللشاحنات التي تنقل البضائع إلى معبر كرم أبو سالم” الذي تسيطر عليه إسرائيل وتتحكم بكل البضائع التي تمر منه، وتقطع الشاحنات مسافة حوالى 500 متر بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني حيث نقطة تفتيش تابعة لحركة حماس.
ووفقا لرئيس مجلس إدارة المصنع “تؤخذ الشاحنة عند الجانب الإسرائيلي لفحصها قبل أن تنقل البضائع إلى شاحنة أخرى من غزة”، ويشير الوادية إلى أنه يدفع “للجمارك مرتين، الأولى في أشدود حيث تجبي إسرائيل الضرائب نيابة عن السلطة الفلسطينية في رام الله، ومرة ثانية في غزة لدى سلطة حماس”.
ويعاني قطاع غزة من نقص كبير في كمية الكهرباء المتوفرة، وساهمت منظمة العفو الدولية بالحد نوعا ما من المشكلة بتركيب ثلاثة مولدات في المنطقة الصناعية لمساعدة المصانع على العمل، وتنتج المصانع المحلية في قطاع غزة أيضا شوكولاتة تحمل اسم “ناتاليا” وهي نسخة مقلدة لشوكولاتة البندق العالمية “نوتيلا”، وتباع علبة ناتاليا بحجم 400 غرام بأربعة شواكل نحو دولار واحد.
ويقول الوادية “تباع حبة الشتوي بنصف شيكل في غزة وبخمسة شواكل في إسرائيل”، ويرى مدير العلاقات العامة في الغرفة التجارية في غزة ماهر الطباع أن “مصانع البسكويت والحلويات في غزة ذات جودة عالية جدا، لكن كل هذا ممنوع من مغادرة غزة”.
ويضيف “يمنع إدخالها حتى إلى الضفة الغربية، والسوق في غزة محدود وحظر التصدير يضعف الصناعة”، لكن وائل الوادية يتمسك بالتفاؤل رغم كل الصعوبات، ويقول “إذا تمكنت من العمل والنجاح في غزة، فيمكنك النجاح في أي مكان في العالم”.