تحدث الباحث والناقد الأدبي حسين بافقيه عن تجربته في القراءة، وعن تنوع مصادرها ومضامينها لأكثر من 40 عاما حيث قادته هذه القراءات إلى اكتشاف أمهات الكتب في التراث العربي والإسلامي، ووجهته إلى علماء وأساتذة وباحثين يتابع إصداراتهم وإنتاجهم الأدبي على مدار المراحل الماضية. وأنه كان يشبه حاطب الليل الذي لا يعرف كيف يوائم بين الكتب وتوجهاتها التراثية والحديثة ولا يجد من يوجهه، فكان يقرأ كل ما يعن له من كتب أو يقع في يديه، مؤكدا على مقولة ملفتة:” تشعرني قراءات الرواد وكتاباتهم بضآلة تجربتي الأدبية” .
وقد استهل بافقيه حديثه في لقاء :” تجاربهم في القراءة” الذي أقيم الثلاثاء و أداره الدكتور فهد العليان ، في حضور عدد كبير من الأدباء والكتاب والمثقفين ، بالحديث عن إشارات مهمة في الثقافة العربية فيما يتعلق بالتراجم والسير حيث قال: ” أكثر ما يلفتُ انتباهي وأنا أقرأ كتب التراجم والسير في تراثنا العربي والإسلامي مثل:” وفيات الأعيان” أو كتب الفهارس والمعاجم ، أجد أنها تذكر العلماء الذين درس على أيديهم ، والتلاميذ والإِجازات ، وأن الله تعالى قد خلق هذه الأمة العربية الإسلامية لتقرأ وتكتب وتؤلف وانعكس هذا على بناء كتب التراجم.
وأضاف:” حين نقرأ أية ترجمة لعالمٍ يلفت النظر كثرة الإشارة إلى الأشياء وإلى الكتب وهذا ينبئنا على مقام الثقافة والعلم في هذه الكتب، وإذا كان الغرب يتحدث بأدب الاعتراف فإن الأديب العربي والمسلم والعالم يعنيه أن يذكر الكتب التي قرأها مثل ” السيوطي ” الذي ألف أكثر من معجم في شيوخه منها:” الفهرس الصغير” و” المنجم في المعجم” وهو كتاب للأشياخ.
كما أشار بافقيه إلى مكتبات (باب السلام) في مكة المكرمة التي كانت تحيط بالحرم وأن ومعظم أدباء المملكة الذين كانوا يأتونها للحج والعمرة أو يقيمون فيها للدراسة قبل نشأة الجامعات مثل: المعهد العلمي أو مدرسة تحضير البعثات كانت تضم أطيافا مختلفة من أنحاء المملكة، وكانت مكتبة ” الحلواني” تعنى بجلب الكتب من مصر وكان عزيز ضياء موظفا صغيرا في مكة ورأى كتاب ” الأغاني” للأصفهاني حيث كان يطبع في مصر وتابعه جزءا جزءا.
وقال بافقيه إنه عرف الكتاب منذ العام 1399هـ الموافق 1979م وقد نشأ بأسرة متوسطة الحال وكانت قراءاتها بالكتب بسيطة، وقد بدأت بديوان النابغة الذبياني، وشعر أحمد قنديل في صحيفة عكاظ. ثم ألمح إلى أنه توسع في القراءة بعد ذلك خاصة بعد التحاقه بجامعة الملك عبدالعزيز حيث قرأ أعمال: طه حسين، وزكي نجيب محمود، وتوفيق الحكيم، وعمر فروخ، وإحسان عباس وعبدالله الغذامي، بادئًا أولا قبل الجامعة بكتاب :” جواهر الأدب” للسيد أحمد الهاشمي، وكتب الإمام الحافظ وابن حجر مشيرا بالقول:” كنت حاطب ليل لم أجد من يوجهني ، واشتريت بأول حياتي كتاب تفسير ابن كثير الذي يقع في (4) مجلدات في بداية المرحلة المتوسطة ، و” طبقات المحدثين” للإمام الذهبي بتحقيق عبدالرحمن المعلمي اليماني ، وقد تعرف بافقيه عبر ذلك – كما يشير – إلى أسماء كبار العلماء في التراث منذ سن مبكرة.
وأشار بافقيه إلى أنه أفاد من البرامج الثقافية بالتليفزيون كما أفاد من كتابته بالصحف السعودية، وتابع المعارك الأدبية المختلفة ، خاصة تلك التي حدثت بين الدكتور عبدالله الغذامي ويوسف نور عوض وسعيد السريحي ومليباري وغيرهم بعد صدور كتاب:” الخطيئة والتكفير للغذامي”
فيما اهتدى إلى قراءة التراث الأدبي النقدي بالمملكة، وألف عن عبدالله عبدالجبار وحمزة شحاتة مؤكدا على أن تجارب الرواد لها أثرها الكبير على الثقافة السعودية الراهنة خاصة لدى عبدالله عبدالجبار ومحمد حسن عواد، ومحمد حسين زيدان، ثم منصور الحازمي ومحمد الشامخ ،ومن تأثر بهم من النقاد والباحثين العرب خاصة محمد مندور وأحمد كمال زكي وشكري عياد ولويس عوض وإحسان عباس وعز الدين إسماعيل وعبدالله الطيب وعبدالهادي التازي وشوقي ضيف.
وتداخل عدد من الحضور حيث تركزت الأسئلة عن عادات حب القراءة، وأثر الكتاب كمصدر ثقافي مهم في تشكيل المشهد الثقافي، والفارق بين الكتاب الورقي والإلكتروني ودور المؤسسات الثقافية في الحفاظ على العلاقة الحيوية بين القارئ والكتاب.