لمدة ثلاثة أيام متواصلة، أنكر كبار المسؤولين الإيرانيين فكرة “إسقاط” الطائرة الأوكرانية بصاروخ، ثم أعلنوا فجأة السبت أن هذا ما حدث بالفعل، في موقف رسمي مغاير طرح تساؤلات حول السبب وراء هذا الاعتراف.
وكان التلفزيون الإيراني الرسمي قد نقل بيانا عسكريا السبت جاء فيه أن إيران أسقطت “عن غير قصد” الطائرة الأوكرانية بعد دقائق من مغادرتها مطار الإمام الخميني في طهران، وبرر ما حصل بما أسماه “خطأ بشريا”.
وسقطت الطائرة من طراز بوينغ 737 التابعة للخطوط الجوية الأوكرانية في غمرة اعتداء صاروخي شنته طهران على قواعد عراقية ردا على مقتل قاسم سليماني. وصباح السبت أقر النظام الإيراني رسميا بمسؤوليته عن إسقاط الطائرة الأوكرانية وقتله “بالخطأ لجميع ركابها. واعتبر بايمان بارسيان، أحد أبناء الجالية الإيرانية في كندا، أن الاعتراف الإيراني “خطوة صحيحة” ستدفع ملف القضية باتجاه الإغلاق.
ورأى في تصريح لوكالة أسوشييتد برس أن السبب وراء هذا الاعتراف الرسمي هو أن طهران كانت تدرك أن التحقيق كان سيتوصل في النهاية إلى النتيجة ذاتها، مشيرا: “فقط إيران أرادت حفظ ماء وجهها”. وفضلا عن ذلك، فقد وجدت إيران نفسها محاصرة، فمسؤولو الدول المعنية (كندا وأوكرانيا والولايات المتحدة) أحيطوا بمعلومات استخباراتية تفيد بأن الطائرة أسقطت بواسطة صاورخ.
وافترض محللون إسقاط الطائرة بواسطة صاروخ، بسب “خطأ” حدث مع رفع درجة الاستنفار في إيران بعد الضربات الصاروخية الإيرانية في العراق انتقاما لمقتل قاسم سليماني قبل ذلك بساعات.
وقال مركز الأبحات IHS Markit في مذكرة نشرها الخميس إن الطائرة الأوكرانية “من المحتمل أنها أسقطت بصاروخ SA-15 أطلقه الحرس الثوري”، مشيرا إلى أن ذلك وقع عن طريق الخطأ.
وفضلا عن ذلك، فقد صورت مقاطع فيديو للطائرة التقطها أشخاص على الأرض، أحد هذه المقاطع تظهر فيه الطائرة كتلة من اللهب تسقط على الأرض، وفيديو آخر للحظة سقوطها وتناثر حطامها المحترق على الأرض، ويظهر مقطع استهدافها بما بدا أنه صاروخ.
مع كل هذه الأدلة والمعلومات وجدت إيران نفسها محاصرة ومجبرة على الاعتراف قبل أن يكتشف أمرها من خلال التحقيقات أو الصور الجوية أو تسجيلات الصندوق الأسود.
وفي المقابل، شدد فولوديمير زيلينسكي، رئيس أوكرانيا، على ضرورة محاسبة المذنبين الإيرانيين الذين تسببوا في سقوط الطائرة، مطالبا بدفع تعويضات من قبل طهران التي اعترفت بأنها أسقطت “بالخطأ” الطائرة الأوكرانية، مشيرا إلى أن بلاده تتوقع فتح تحقيق كامل وشامل واعترافا كاملا بالذنب وتعويضا من قبل النظام الإيراني بعد مصرع 176 شخصا كانوا على متن الطائرة.
وأكد رئيس أوكرانيا، على ضرورة أن تعلن إيران اعترافها الكامل بسقوط الطائرة، وتأكيدها على أنها ستجري تحقيقا كاملا ومفتوحا لتقديم المسؤولين عن هذه الكارثة إلى العدالة، إلى جانب ضرورة إعادة جثث القتلى ودفع تعويض وتقديم اعتذارات رسمية عبر القنوات الدبلوماسية.
ومن جهته قال رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، إن حكومته تريد تحقيقاً كاملاً وتعاوناً تاماً من السلطات الإيرانية فيما يتعلق بحادث الطائرة الأوكرانية. وقال ترودو في بيان صدر عن مكتبه إن إيران اعترفت الآن بأن قواتها أسقطت الطائرة.
كما أضاف أن بلاده ما زالت تركز على “المحاسبة والشفافية والعدالة لأسر الضحايا وذويهم. هذه مأساة وطنية وكل الكنديين يشعرون بالفجيعة”.
وتابع قائلا: “سنواصل العمل مع شركائنا حول العالم لضمان إجراء تحقيق كامل ومستفيض في حادث الطائرة، والحكومة الكندية تتوقع تعاونا تاما من السلطات الإيرانية”.
يذكر أن الطائرة المنكوبة أسقطت في وقت مبكر من يوم الأربعاء، بعد ساعات من شن إيران هجوماً صاروخياً على قاعدتين عسكريتين تأوي قوات أميركية في العراق رداً على مقتل الجنرال الإيراني، قاسم سليماني، في غارة جوية أميركية في بغداد.
وذكر بيان عسكري صادر عن الهيئة العامة للقوات المسلحة نقلته وسائل الإعلام الرسمية أن الطائرة اعتبرت خطأ “هدفا معاديا” بعد أن انحرفت نحو “مركز عسكري حساس” تابع للحرس الثوري. وقال إن الجيش كان في “أعلى مستوى من الاستعداد” وسط التوترات المتصاعدة مع الولايات المتحدة.