كشف تحقيق عن دليل دامغ يشير إلى أن السياسية السورية الكردية، هفرين خلف، قتلت على يد فصيل من الجيش السوري الحر المدعوم من تركيا ويطلق عليه اسم “أحرار الشرقية”، على الرغم من نفي الفصيل المسلح مسؤوليته عن تلك الجريمة. لكن الأدلة تكشف رواية أخرى.
وعلى الرغم من أن هفرين خلف كان عمرها 34 عاماً فقط عندما توفيت، لكنها دافعت عن المساواة بين جميع الأعراق في سوريا واتخذت موقفاً قويا ضد عملية “نبع السلام” التركية في الجزء الذي يسيطر عليه الأكراد في شمال سوريا، والتي يعرّفها الأكراد باسم روجآفا.
ولم تكن هفرين تدافع فقط عن حقوق الأكراد، فقد أراد حزب “مستقبل سوريا”، الذي ساهمت هفرين في تأسيسه، أن يعمل المسيحيون والأكراد والعرب جنبا إلى جنب في مواجهة تحديات إعادة بناء المنطقة.
وتتبع التحقيق الذي أجراه موقع “بي بي سي” خط سير هفرين خلف بالسيارة من الحسكة متجهة غربا على الطريق السريع (إم 4) ولمدة 3 ساعات إلى مقر الحزب في الرقة. كان ذلك بعد ثلاثة أيام فقط من انسحاب القوات الأمريكية من المنطقة، وبدء أردوغان عملية نبع السلام هناك. وفي صباح ذلك اليوم، ذكر شهود العيان أنهم شاهدوا قافلة عسكرية تعبر سوريا قادمة من تركيا متجهة جنوبا باتجاه الطريق السريع (إم 4).
كانت القافلة جزءا من الجيش السوري الحر (إس إن إي)، الذي يعتبر مظلة تضم 41 فصيلا وأكثر من 70000 جندي شكلتهم تركيا عام 2019.
يقول التحقيق: في أحد مقاطع الفيديو، يمكنك رؤية الشمس وهي تشرق هناك بين الساعة 6.30 و 7 صباحا. وفي خلفية مقطع فيديو آخر، يمكننا رؤية حاجز خرساني، عمود كبير لنقل خطوط الاتصالات وطريق ترابي. وبمقارنة مواقع هذه الأجزاء مع صور الأقمار الصناعية، يمكننا تحديد الموقع الجغرافي للفيديو وهو نقطة تفتيش التروازية، نفس نقطة التفتيش التي كانت هفرين خلف متجهة نحوها ذلك الصباح. ثم تأخذ مقاطع الفيديو منعطفا مظلما، فتُظهر اعتقال ثلاثة رجال، يقولون إنهم من مقاتلي حزب العمال الكردستاني. ثم بعد ذلك يطلب أحد جنود أحرار الشرقية من زميله تصويره وهو يطلق النار على رجل آخر ممدد على الأرض، ويبدو أنه قتل بالرصاص. وقد أُعدم الرجال الثلاثة في نفس نقطة التفتيش ذلك اليوم.
وأنكر فصيل أحرار الشرقية تماما، بادئ الأمر، أنهم كانوا في ذلك المكان، لكن في بيان لاحق لهم قالوا إن “المجموعة التي كانت في نقطة التفتيش على الطريق السريع في ذلك ليوم تصرفوا دون إذن … وأن أولئك الذين انتهكوا أوامر القيادة قد أرسلوا للمحاكمة “.
وقالوا أيضا إنهم فتحوا النار على سيارة “زعموا أنها لم تتوقف”. وأضاف البيان أنهم لم يستهدفوا هيفرين خلف على وجه التحديد ولا يعرفون كيف قُتلت.
لكن مقاطع الفيديو الخاصة بهم والمنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي وشاهد العيان الذي تحدث حصريا لبي بي سي، جميعهم يشيرون إلى أنها أُعدمت من قبل هذه المجموعة.
وفي الفيديو الأخير الذي نشره فصيل أحرار الشرقية في ذلك اليوم، يمكنك رؤية مقاتليهم يحيطون بسيارة هفرين. وهناك جثة على الأرض يعتقد أنها لسائقها فرهاد رمضان. وفي هذا الجزء من الفيديو، نسمع صوتا نسائيا خافتا قادما من داخل السيارة.
قالت سعاد محمد، والدة هفرين، عندما أطلعتها بي بي سي على مقاطع الفيديو “إنه صوت هفرين، يمكنني تمييزها من بين 5000 صوت” وأضافت “عندما سمعت صوتها رأيت وحشية العالم، وأنه لا توجد إنسانية في هذا العالم على الإطلاق”.
ويبدو أن هفرين خلف كانت على قيد الحياة وقادرة على تحديد هوية المقاتلين عندما تم إيقاف سيارتها. وهناك أدلة أخرى تشير إلى أنها لم تمت داخل السيارة.
قال مزارع محلي كان يمر بالقرب من نقطة التفتيش عندما استولى الفصيل في لقاء خاص لبي بي سي، وطلب إخفاء هويته: عندما انسحب المقاتلون في الساعة 7.30 صباحا ذهبت إلى الموقع، “لقد كان مشهدا مروعا وكان أول شخص رأيته هو الفتاة. كان جسدها على بعد حوالي خمسة أمتار من السيارة … وكان وجهها مشوها تماما، وأصيبت ساقها بأضرار بالغة، ومن المحتمل أن تكون مكسورة”. وأضاف المزارع “لقد عثرت على تسع جثث عند حاجز الطروازية”، و”رفض السكان المحليون مساعدتي في وضع الجثث في السيارة. كانوا خائفين من أن يتم إعدامهم أيضا “.
ويشير تقرير طبي وزع في ذلك الوقت إلى أن هفرين خلف قد أصيبت بأكثر من 20 طلقا ناريا، وأن ساقيها قد كسرتا وأنها قد تعرضت لاعتداء بدني شديد.
وقد قادت كل تلك الأدلة مجتمعة إلى استنتاج أن مقاتلي فصيل أحرار الشرقية سحبوا هفرين من داخل السيارة وهي لاتزال على قيد الحياة، ثم اعتدوا عليها جسديا قبل أن يقتلوها خارج السيارة.