بعد نحو أسبوعين من الهدوء، أعاد المتظاهرون رفع الصوت في العراق في وجه تسويف السياسيين غير القادرين على التوافق حول رئيس جديد للوزراء مع انتهاء التمديد الثاني للمهلة الدستورية الأحد.
وأمام إصرار الجارة الإيرانية التي ترفض التنازل عن خيارها، ومساء الأحد تلبّدت سماء العديد من المدن الجنوبية مجدّداً بالدخان الأسود المنبعث من إطارات يحرقها المتظاهرون لقطع الطرقات والتعبير عن غضبهم، في مشهد تكرّر على مدى أسابيع في شهري أكتوبر ونوفمبر.
وفشلت أحزاب السلطة للمرة الثالثة الأحد بالاتفاق على مرشح جديد لرئاسة الوزراء في المهلة الدستورية، فمن جهة، يدفع الموالون لإيران بالتحالف مع رئيس البرلمان محمد الحلبوسي باتجاه تكليف مرشحهم.
ومن جهة أخرى، يسعى رئيس الجمهورية برهم صالح إلى كسب الوقت بتقديم طلبات توضيحية إلى البرلمان، أما الشارع الذي سبق وانتظر 16 عاماً على النظام القائم منذ سقوط صدام حسين، فقد طفح الكيل بالنسبة له.
وكان المتظاهرون رحبوا في نهاية نوفمبر باستقالة حكومة عادل عبد المهدي، واليوم، هم يريدون إسقاط رئيس البرلمان الحلبوسي وصالح، اللذين يتهمونهما بـ”المماطلة”.
ويهتف المحتجون في ساحة التحرير وسط بغداد “برهم وحلبوسي جاكم السره “جاء دوركما””.
وكان الأحد، يوم تبادل الكرة بين ملاعب الأفرقاء، فالمحكمة الاتحادية التي لجأ إليها صالح لتحديد الكتلة البرلمانية الأكبر، ردت عليه بشكل يترك كل الخيارات مفتوحة، بدوره، عاد رئيس الجمهورية ليطلب من البرلمان تحديد الكتلة الأكبر، التي يحق لها تسمية رئيس للحكومة.
– من الكتلة الأكبر؟ –
وفي برلمان يعد الأكثر انقساماً في تاريخ العراق الحديث، أكد صالح أنه سبق أن تلقى ثلاث إجابات، الأولى أن التحالف المقرب من إيران يؤكد أنه صاحب الغالبية البرلمانية، وسمى وزير التعليم العالي في الحكومة المستقيلة قصي السهيل مرشحاً لرئاسة الوزراء.
والسهيل عضو سابق في تيار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، وانضم في ما بعد إلى كتلة دولة القانون، التي يتزعمها رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.
وكانت فرص السهيل كبيرة في الساعات الأخيرة، لكن بما أن المشاورات في العراق تشبه صندوق أسرار تخرج منه مفاجأة في الوقت بدل الضائع، يصعب التكهن باسم رئيس الوزراء.
والثانية، هي أن ائتلاف الصدر “سائرون”، يشدد على أنه التحالف الأكبر لأنه حل أولاً في الانتخابات التشريعية، أما المعضلة الثالثة، فهي إجابة البرلمان أن الكتلة الأكبر هي التي تمت على أساسها تسمية عادل عبد المهدي، لكن لم يعلن عنها رسميا أبداً، لكن المماطلة لم تترجم في الشارع، فليل السبت ـ الأحد، أعلن المتظاهرون في الديوانية والبصرة بجنوب البلاد “الإضراب العام”، بعد ثلاثة أشهر من احتجاجات غير مسبوقة أسفرت عن مقتل نحو 460 شخصاً وإصابة 25 ألفاً آخرين بجروح.
وبعد أسابيع عدة من الهدوء في الاحتجاجات بفعل حملات الترهيب والخطف والاغتيالات التي تقوم بها “ميليشيات” تابعة لإيران، فإن الانتفاضة عادت لتُستأنف الأحد.
وأعلن أحد المتظاهرين في المخيم بوسط الديوانية أن “الثورة مستمرة”، وقال آخر “إنهم لا يحترمون الدستور”، وفي الديوانية أيضاً، أغلقت مجموعات من المتظاهرين الإدارات الرسمية الواحدة تلو الأخرى، رافعين لافتات كتب عليها “نعتذر لإزعاجكم، نعمل لأجلكم”.
وليل السبت ـ الأحد، قام عشرات المتظاهرين بإغلاق الطريق السريعة التي تربط مدن الجنوب العشائري والنفطي ببغداد، بالإطارات المشتعلة، بحسب مراسل من وكالة فرانس برس.
وفي كربلاء والنجف، أغلق الطلاب والتلامذة المضربون كل المدارس، وتجمعوا بالآلاف في الساحات، بحسب مراسلي فرانس برس في المكان.
وفي الناصرية، أقدم المتظاهرون على قطع الجسور وطرق محورية عدة، فيما ظلت جميع الإدارات الرسمية مغلقة، وفي بغداد تجمع الطلاب في ساحة التحرير المركزية بوسط العاصمة.
وقالت المتظاهرة هويدا “24 عاماً”، وهي طالبة في كلية العلوم، لفرانس برس “نرفض السيطرة الإيرانية على بلادنا، سليماني هو من يدير الأمور لدينا، يجب أن يعود العراق لما كان عليه”، من جهته، اعتبر معتز “21 عاماً” أنه “سقط شهداء بالمئات، نحن نريد شخصية نزيهة وشريفة، وهم يريدون شخصاً يسرق”.