أحال مجلس النواب الأميركي ليل الأربعاء الرئيس دونالد ترامب إلى المحاكمة أمام مجلس الشيوخ بتهمتي استغلال السلطة وعرقلة عمل الكونغرس، ليصبح بذلك ثالث رئيس في تاريخ الولايات المتحدة يواجه إجراءً رسمياً لعزله.
وسارع الرئيس الجمهوري “73 عاماً” إلى التنديد بالتصويت التاريخي الذي جرى ضدّه في مجلس النواب، متهّماً خصومه الديموقراطيين الذين يسيطرون على المجلس بأنّهم مدفوعون بـ”الحسد والحقد والغضب” و”يحاولون إبطال تصويت عشرات ملايين الأميركيين” الذين انتخبوه رئيساً في 2016، وبأغلبية 230 صوتاً مقابل 197 وامتناع نائب واحد عن التصويت، وافق مجلس النواب الذي يهيمن عليه الديموقراطيون على توجيه تهمة استغلال السلطة إلى الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة، وبعدها بدقائق وجّه المجلس إلى ترامب تهمة ثانية هي عرقلة عمل الكونغرس والتي أقرّت بأغلبية 229 صوتاً مقابل 198 وامتناع نائب واحد عن التصويت، وبموافقة مجلس النواب على هذا القرار الاتّهامي انتقلت القضية إلى مجلس الشيوخ الذي سيباشر محاكمة ترامب في يناير على الأرجح، غير أنّه خلافاً لمجلس النواب فإنّ مجلس الشيوخ يهيمن عليه الجمهوريون بأغلبية 53 سناتوراً مقابل 47 وقد سبق لهؤلاء أن أكّدوا أنّهم يعتزمون تبرئة ترامب من هاتين التهمتين.
لكن مع ذلك يبقى التصويت الذي حصل في مجلس النواب الأربعاء تاريخياً، إذ إنّه في تاريخ الولايات المتحدة بأسره لم يُحلْ إلاّ رئيسين للمحاكمة أمام مجلس الشيوخ، هما آندرو جونسون في 1868 وبيل كلينتون في 1998، وقد برّئ كلاهما في مجلس الشيوخ، أما ريتشارد نيكسون، فاستقال في 1974 قبل أن يصوّت مجلس النواب على إحالته إلى المحاكمة على خلفية فضيحة ووترغيت.
ومساء الأربعاء علق على القرار ونشر على تويتر صورة له بالأسود والأبيض مشيرا بإصبعه وكتب تحتها “في الحقيقة هم لا يطاردونني “، ” إنهم يطاردونكم “، ” أنا فقط عقبة في الطريق”، – “ينهشه الحقد” – وللمفارقة فإنّه في الوقت الذي كان مجلس النواب يصوّت فيه على اتهام ترامب كان الملياردير الجمهوري يلقي على بعد ألف كيلومتر من واشنطن خطاباً أمام حشد من أنصاره في تجمّع انتخابي في مدينة باتل كريك بولاية ميشيغان.
وسارع ترامب إلى التنديد بقرار مجلس النواب قائلاً “بينما نحن نخلق الوظائف ونقاتل من أجل ميشيغان، فإنّ اليسار الراديكالي في الكونغرس ينهشه الحسد والحقد والغضب، وأنتم ترون ما يجري الآن”، مضيفا أن “الديموقراطيين يحاولون إبطال تصويت عشرات ملايين الأميركيين” الذين انتخبوه رئيساً في 2016، متّهماً خصومه بأنّهم أقدموا لتوّهم على عملية “انتحار سياسي”.
وأتى القرار التاريخي لمجلس النواب قبل أقلّ من عام من الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر 2020 والتي يعتزم ترامب خوضها للفوز بولاية ثانية، وباستثناء عدد ضئيل للغاية فقد صوّت معظم النواب الديموقراطيين لصالح القرار الاتهامي ومعظم النواب الجمهوريين ضدّه، في حين شهدت الجلسة التي جرى في نهايتها التصويت واستمرت ساعات طويلة تبادل اتهامات بين الحزبين.
ونددت المتحدثة باسم البيت الأبيض ستيفاني غريشام بتصويت مجلس النواب واعتبرته “أحد أكثر الفصول السياسية المخجلة في تاريخ أمتنا” وقالت أن ترامب “جاهز للخطوات التالية وواثق من تبرئته تماما”، وقالت رئيسة مجلس النواب الديموقراطية نانسي بيلوسي عند بدء الجلسة إنّه “من المأساويّ أن تصرفات الرئيس الطائشة جعلت من الضروري البدء بإجراءات العزل”، مضيفة “ما نناقشه اليوم هو الحقيقة الراسخة بأنّ الرئيس انتهك الدستور.
ومن المؤكد كحقيقة أن الرئيس يمثل تهديدا مستمراً لأمننا القومي ونزاهة انتخاباتنا”، ونفى النائب الجمهوري داغ كولينز ذلك قائلا “الرئيس لم يرتكب خطأ”، مؤكّداً أن الديموقراطيين “قالوا لأنفسهم، إذا لم نستطع هزيمته “في الانتخابات” فدعونا نحاكمه لعزله، ، الأميركيون سيرون ذلك بوضوح”، أما ديبي ليسكو الجمهورية من أريزونا، فقالت أن ترامب يتعرّض “لعملية هي الأكثر ظلماً وتحيّزاً سياسياً شاهدتها في حياتي”. وأضافت “لا يوجد أي دليل على أن الرئيس ارتكب مخالفة توجب العزل، هذه عملية عزل هي الأكثر حزبية في تاريخ الولايات المتحدة”، من ناحيته قال النائب الديموقراطي آدم شيف، الذي أشرف على التحقيق، أن الملياردير الجمهوري “كان مستعداً للتضحية بأمننا القومي “..” في سبيل تعزيز فرصه في إعادة انتخابه”، واتّهم الرئيس بأنّه “حاول أن يغشّ وافتضح أمره”، مؤكّداً أن “الخطر ما زال قائماً”.
وكان ترامب استبق الجلسة بالتأكيد على أنّه لم يرتكب “أي خطأ”، وذلك غداة توجيهه رسالة إلى بيلوسي شبّه فيها إجراءات العزل بـ”محاولة انقلاب”، قائلا الرئيس في تغريدة على تويتر “هل يمكنكم تصديق أنّه سيتم إطلاق إجراءات عزلي اليوم من قبل اليسار الراديكالي، “من قبل” الديموقراطيين الذين لا يقومون بشيء، بينما لم أرتكب أي خطأ! إنه أمر فظيع”، مضيفاً “يجب أن لا يحصل هذا الأمر مع أي رئيس آخر”.