أرجأ الرئيس اللبناني ميشال عون الاثنين، للمرة الثانية، موعد الاستشارات النيابية لتسمية رئيس جديد للحكومة وسط انقسامات بين القوى السياسية.
وغداة مواجهات عنيفة بين القوى الأمنية ومتظاهرين رافضين لإعادة تكليف رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري، ويعكس تأجيل الاستشارات النيابية حجم الأزمة السياسة فيما تعاني البلاد من انهيار اقتصادي ومالي يُهدد اللبنانيين في وظائفهم ولقمة عيشهم، على وقع احتجاجات شعبية غير مسبوقة مستمرة منذ شهرين ضد الطبقة السياسية المتهمة بالفساد.
وأعلنت الرئاسة في تغريدة على تويتر أن عون “تجاوب مع تمنّي الرئيس الحريري تأجيل الاستشارات النيابية إلى الخميس 19 الجاري لمزيد من التشاور في موضوع تشكيل الحكومة”، وتحت ضغط حراك شعبي بدأ في 17 أكتوبر، وبدا عابراً للطوائف والمناطق، قدّم الحريري استقالته في 29 أكتوبر، من دون أن يتم تسمية رئيس جديد للحكومة، رغم مطالبة المتظاهرين ونداءات دولية بوجوب الإسراع في تشكيل حكومة إنقاذ تضع حداً للتدهور الاقتصادي المتسارع.
وكان من المفترض أن تبدأ الاستشارات النيابية الاثنين عند الساعة العاشرة والنصف صباحاً بعدما بدا الحريري المرشح الأوفر حظاً، إلا أن إعلان كتل سياسية وازنة، بينها حزب رئيس الجمهورية “التيار الوطني الحر” وحزب القوات اللبنانية، عدم رغبتها بتسميته خلط الأوراق السياسية مجدداً، وأجّل عون الأسبوع الماضي الاستشارات النيابية أسبوعاً كاملاً جراء عدم تمكن القوى السياسية الرئيسية من التوافق على مرشح، بعد تداول أسماء عدة ثم سحبها.
ولا يعني توافق القوى السياسية على تسمية رئيس جديد للحكومة أن ولادتها ستكون سهلة في بلد يقوم نظامه السياسي على المحاصصة الطائفية والسياسية وغالباً ما يستغرق تشكيل الحكومة أشهر عدة، ولا تزال القوى السياسية منقسمة إزاء شكل الحكومة المقبلة، إذ يصر الحريري على أن يترأس حكومة اختصاصيين فقط، فيما أعلن الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، أبرز خصومه السياسيين، أنه لا يعارض تكليفه على أن يشكل حكومة لا تقصي أي فريق سياسي رئيسي، منبهاً في الوقت ذاته من أنّ “عملية التأليف لن تكون سهلة”.
وفي الشارع، يرفض عدد كبير من المتظاهرين تكليف الحريري كونه شريكاً رئيسياً في السلطة ويعتبرونه جزءاً مما يصفونه بمنظومة الفساد التي تتحكم بالبلاد وتستنزف مواردها، ويصر المتظاهرون على تشكيل حكومة اختصاصيين رئاسة وأعضاء مستقلين عن الطبقة السياسية بالكامل التي يحملونها مسؤولية تدهور الوضع الاقتصادي وعجزها عن إيجاد حلول للأزمات المتلاحقة.
ومع اقتراب موعد الاستشارات، اندلعت خلال الليلتين الماضيتين مواجهات عنيفة بين متظاهرين والقوى الأمنية في وسط بيروت، بدأت مع محاولتهم دخول شارع يؤدي إلى ساحة النجمة، حيث مقر البرلمان، وردد المتظاهرون مساء الأحد هتافات مناوئة للسلطة ورافضة لعودة الحريري بينها “مش راجع، مش راجع، سعد الحريري مش راجع”، و”نحن الشعب توحّدنا، كل هالطاقم ما بدنا”.
وندد المتظاهرون بالقوة المفرطة التي استخدمتها قوات الأمن ليل السبت الأحد، قبل أن تعود وتتجدد المواجهات بين الطرفين، واستمرت ليل الأحد الاثنين أيضاً عمليات الكر والفر ساعات عدة، وعمد متظاهرون إلى رمي عبوات مياه وحجارة مفرقعات باتجاه القوى الأمنية التي أطلقت بدورها قنابل الغاز المسيل للدموع بكثافة باتجاههم، وفق مصور لوكالة فرانس برس.
وقال الأمين العام للصليب الأحمر اللبناني جورج كتانة لوكالة فرانس برس إن فرق المنظمة أسعفت 45 شخصاً في المكان، بينما عولج 28 آخرين في المستشفيات، وغالبية الإصابات ناجمة عن حالات اختناق أو جروح نتيجة رمي الحجارة.
وأوضح الجيش اللبناني في بيان أن قواته عمدت إلى “مؤازرة قوى الأمن الداخلي للحفاظ على الاستقرار”، “نتيجة الفوضى العارمة التي شهدها وسط مدينة بيروت ليل أمس والتي تخللها أعمال شغب وتعدٍّ على الأملاك العامة والخاصة ورمي المفرقعات باتجاه القوى الأمنية من قبل عدد من الأشخاص”، مشيرا الجيش إلى إصابة تسعة عسكريين “بجروح ورضوض”.
ويزيد تدهور الوضع الاقتصادي من غضب المتظاهرين، إذ تشهد البلاد أزمة سيولة حادة، وبات الحصول على الدولار مهمة شبه مستحيلة مع فرض المصارف قيوداً على حركة الأموال، وباتت قطاعات عدة تواجه صعوبات في استيراد مواد أساسية نتيجة الشح في الدولار ومنع التحويلات بالعملة الخضراء إلى الخارج، ولاحظ اللبنانيون انقطاع عدد من الأدوية وارتفاعاً كبيراً في أسعار المواد الغذائية، مقابل تقلّص كبير في قدرتهم الشرائية.
وتعدّ الأزمة الاقتصادية الراهنة وليدة سنوات من النمو المتباطئ، مع عجز الدولة عن إجراء إصلاحات بنيوية، وتراجع حجم الاستثمارات الخارجية، عدا عن تداعيات الانقسام السياسي الذي فاقمه النزاع في سوريا، واشترطت مجموعة الدعم الدولي للبنان الأسبوع الماضي، إثر اجتماع في باريس، أن تقترن أي مساعدة مالية للبنان بتشكيل حكومة إصلاحية بينما كررت عواصم عدة دعوتها القادة السياسيين إلى تشكيل حكومة تستجيب لمطالب المتظاهرين.
ودعا وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الأحد المسؤولين اللبنانيين إلى أن “يتحركوا” لأن “البلد في وضع حرج”، قائلا “بعد وقت قصير، سيجد البلد صعوبة في التزود بالمواد الأساسية، كما بدأت بعض الشركات تتوقف عن دفع الأجور، من الملح للغاية التحرك”.
وحذّر رئيس مجلس النواب نبيه بري، في حديث لصحيفة محلية الاثنين، من “حصول مجاعة” في البلاد، إذا ما استمر الوضع على حاله، مشددا الذي يتهمه المتظاهرون بالفساد ويطالبون بخروجه من السلطة، على ضرورة تشكيل الحكومة “بشكل سريع لأننا لا نملك ترف الوقت، وإلا سنكون أمام منزلقات خطيرة قد لا تكون هناك إمكانية لتفاديها في ما بعد في ظل خطورة الوضعين المالي والاقتصادي”.