في 1990، احتل الإسلاميون الشارع باعتبارهم القوة الرئيسية لمعارضة النظام، ثم فازوا بأول انتخابات بلدية بعد إقرار التعددية السياسية، وبعدها بالدورة الأولى من الانتخابات التشريعية، قبل أن يلغيها الجيش.
اليوم، تشهد الجزائر حركة احتجاج من نوع آخر منذ 22 فبراير، لكن من الواضح أن الإسلاميين، وأكبر حزبين بينهم حركة مجتمع السلم وجبهة العدالة والتنمية، لا يلعبون فيها دورا كبيرا، ويحوز الإسلاميون في المجلس الشعبي الوطني 48 نائبا من أصل 462 ينتمون لتحالفين من أحزاب عدة.
يقول الكاتب احميدة العياشي الذي كان من أوائل من كتبوا عن الحركة الإسلامية والجهادية في الجزائر، لوكالة فرانس برس، عن موقع الإسلاميين اليوم عشية انتخابات رئاسية مصيرية ستشهد على الأغلب مقاطعة واسعة.
س: أي دور للإسلاميين اليوم في اللعبة السياسية؟
ج: لا زال دورهم السياسي على مستوى بلورة الخطاب النقدي من خلال شعارات يرفعونها، ومن خلال الوقوف ضد أئمة المساجد الموالين للسلطة والحدّ من تأثير السلفيين الذين كان لهم بالأمس القريب مكانة متعاظمة لكنها باتت تتراجع أمام سلبيتهم من الحراك وميلهم نحو الحلول التي يقترحها النظام، وجزء من الإسلاميين يستعدون لدعم المرشح الإسلامي عبد القادر بن قرينة في حالة فوزه، ويأملون “بحلف موسع يضمّ الإسلاميين وقسما من الحراكيين بدينامية جديدة شبيهة بدينامية الإخوان المسلمين في مصر عندما تولى أحمد مرسي الرئاسة.
وتنتهج الأحزاب الإسلامية ذات المرجعية الإخوانية مثل حركة النهضة وحركة الإصلاح وحركة مجتمع السلم وحركة البناء الوطني التي يرأسها بن قرينة، في تعاطيها مع السلطة التكتيك نفسه الذي انتهجه إخوان مصر وإسلاميو المغرب وتونس، لكن حركة النهضة التونسية تمكنت من تطوير خطابها من خلال رسملة التجربة الجزائرية في التسعينات، فرئيسها راشد الغنوشي الذي عاش في نهاية سنوات 1980 وبداية التسعينات في الجزائر، راقب عن كثب التجربة الجزائرية وكان شاهدا على انتكاساتها، وهذا ما أدى به عندما أقام في بريطانيا إلى القيام بمراجعات فكرية وجوهرية في ما يتعلق بقضايا لم يتمكن الإسلاميون الجزائريون من حسمها على الصعيد الفكري والسياسي، مثل قضية المرأة والحريات الدينية والعلاقة مع التيارات العلمانية والعلاقة المنسجمة مع الثقافة الغربية، والأهم من ذلك التعامل مع مسألة الحكم بعيدا عن النزعة الطوباوية الإسلامية المتمثلة في الشعار الفضفاض: الإسلام هو الحل،
س: ما هو مكانهم داخل “الحراك”؟
ج: طبعا لم يعد الإسلاميون يمثلون القوة الشعبية التي كانوا يحظون بها في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات، وذلك لأسباب عديدة منها التحول داخل المجتمع الجزائري بعد حقبة الحرب الأهلية “1992-2002” وتداعيات الربيع العربي وجيل جديد لا علاقة له بصراعات التسعينات، وبرغم غيابهم سياسيا كحزب في ساحات التظاهرات، إلا أنهم اندمجوا كتيار وأشخاص في دينامية حراك 22 فبراير وأثبتوا تغيّرهم وذلك بتكييف خطابهم وانفتاحهم على التيارات العلمانية التي كانوا يعادونها في السابق، كما تخلى الإسلاميون عن شعار الدولة الإسلامية وتبنوا شعار الديموقراطية والدولة المدنية، وظهر ذلك في خطاب زعيمهم علي بلحاج “نائب رئيس حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ الذي حلّته السلطة” وانخراط عدد من قياداتهم المحلية في مسيرات يوم الجمعة وهم يحملون الشعارات نفسها التي يرفعها الحراكيون والمتمحورة حول رحيل النظام والحرية والتعددية، ويلعبون دورا في التجنيد الخفي لفئة عمرية تتمثل في الجيل المتراوح عمره من الأربعينات وما فوق، ، وتظهر مكانتهم أيضا في عدد من المدن الداخلية المحافظة، كما يجد خطابهم النقدي تجاه “عصابات” النظام صدى عند المترددين على المساجد ومعلمي المدارس.
س: هل سيكون لهم تأثير محتمل في الانتخابات وعلام يعولون بعدها؟
ج: إنهم يقفون اليوم موقف الرقيب، لأنهم لا يتصورون أن النظام يسمح بصعود إسلامي إلى الحكم، لكنهم يقدمون دعما صامتا لبن قرينة، أي عدم معاداته، قد يخرج دعمهم إلى العلن إذا وصل بن قرينة إلى الدورة الثانية، وفي هذه الحالة، قد يلعب الإسلاميون دور القاطرة للقوى المحافظة والإسلامية المشتتة التي تعاني من مشكلة ضياع البوصلة، وفي حال أصبح بن قرينة رئيسا، سيؤدي ذلك إلى صدمة لدى المعارضين خصوصا العلمانيين والديموقراطيين، ما قد يضعهم في وضع حرج يضطرهم ربما إلى التحالف مع السلطة، وهذا قد يؤدي إلى سيناريو “انقلاب” ضد الإسلاميين يسمح بعودة مشروعة وشرعية للجيش إلى الواجهة هذه المرة بدعم من قطاع عريض من المعارضة، ربما يبدو هذا السيناريو مستبعدا، لكنه يبقى في نظري قائما وقد يتبناه النظام إذا شعر أن هناك مقاطعة كبيرة للانتخابات.