تواجه المساعي التي يقوم بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أجل تعزيز المكانة الرياضية لبلاده وتلميع صورته شخصيا، احتمالا كبيرا بتلقي ضربة قاسية جدا في ظل التوجه لتبني التوصية بايقاف روسيا لأربعة أعوام على خلفية قضية التنشط الممنهج.
وأضحت روسيا مهددة بشكل جدي بالغياب عن أولمبياد طوكيو الصيف المقبل، وذلك بعد أن أوصت لجنة في الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات “وادا” بايقافها لأربعة أعوام عن المشاركة الدولية على خلفية تزوير بيانات المختبرات التي تم تسليمها الى المحققين.
لكن الخبراء يرون أن الرئيس الروسي قد يحول الحظر لصالحه من خلال تصويره على أنه محاولة ذات دوافع سياسية من جانب الغرب لإذلال البلاد مرة أخرى على حساب الرياضيين.
ويهيمن الملف الروسي على اجتماعات اللجنة التنفيذية للجنة الاولمبية الدولية التي تنطلق الثلاثاء وتستمر حتى الخميس في مقرها في مدينة لوزان السويسرية، قبل أيام من قرار الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات “وادا” المقرر إصداره في التاسع من كانون الاول/ديسمبر الحالي.
ودعت لجنة مراجعة الامتثال في “وادا” إلى الموافقة على عقوبة الإيقاف التي ستحرم روسيا من المشاركة في طوكيو 2020، وأولمبياد الشباب والألعاب البارالمبية، وذلك في حال تمت المصادقة على التوصية الناجمة عن ما وصفه محققو “وادا” بأنه حالة “خطيرة للغاية” من عدم الامتثال مع العديد من المخالفات الكبيرة، وبعد أن فُحِصت بيانات من مختبر موسكو للمنشطات سُلِمَت في كانون الثاني/يناير.
وكان الكشف الكامل عن البيانات من مختبر موسكو شرطا رئيسيا لإعادة روسيا الى كنف العائلة الدولية من قبل “وادا” في أيلول/سبتمبر 2018 بعد حظر دام قرابة ثلاثة أعوام على خلفية الكشف عن برنامج واسع النطاق لدعم التنشط بإشراف الدولة.
واعتبرت “وادا” أن البيانات التي تم تسليمها كانت مليئة بالمشاكل، واصفة إياها بأنها “ليست كاملة أو موثوقا بها تماما”، مشيرة الى أن المئات من النتائج التحليلية قد أزيلت، بينما تم حذف البيانات الأولية والملفات.
وفي حين أن بعض النتائج قد حذفت في 2016 أو 2017، عندما اندلعت فضيحة التنشط الروسي الممنهج لأول مرة، فهناك معلومات أخرى أزيلت في كانون الأول/ديسمبر 2018 أو كانون الثاني/يناير من هذا العام، أي قبل وقت قصير من تسليم البيانات إلى “وادا”.
“نتجه نحو كارثة”
وإذا كانت مزاعم التلاعب بالبيانات صحيحة، تكون السلطات الروسية قد أشعلت مجددا الفضيحة بحسب ما يرى المراقبون، بينهم أستاذ كلية الاقتصاد العليا بموسكو سيرغي ميدفيديف الذي كتب على فيسبوك “أخشى أننا نتجه نحو كارثة، تم التعامل مع كل شيء بسخرية فادحة”.
وقارن الأستاذ الشغوف بالرياضة فضيحة المنشطات بمعالجة روسيا لمحاولة تسميم العميل الروسي المزدوج السابق سيرغي سكريبال وابنته في مدينة سالزبري البريطانية العام الماضي، ونفيها تزويد الانفصاليين في شرق أوكرانيا بالصاروخ الذي أسقط طائرة الركاب الماليزية “أم ايتش 17” في 2014.
وفي كلتا الحالتين، رفضت روسيا تلقي اللوم عن طريق الإنكار الشديد وتوجيه أصابع الاتهام الى الآخرين.
لكن في حالة المنشطات الممنهج، رأى ميدفيديف أن روسيا لن تُفلِت “بابتسامة من بوتين” ويمكن حرمان جيل من الرياضيين الروس من متابعة أحلامهم.
وكان المعلقون الرياضيون الروس قاسيين على السلطات في أعقاب توصية الإيقاف، وألقى العديد منهم بالمسؤولية على المحققين الجنائيين في قضية معالجة البيانات.
وقال العلق الرياضي اليكسي دورنوفو لوكالة فرانس برس “انا متأكد من ان مسؤولينا لن يعترفوا ابدا بأنهم جلبوا العار لأنفسهم ولن يطلبوا المغفرة.
لن نعرف ابدا الاسماء “المسؤولين عن التلاعب بالبيانات””.
وحث المعلق الرياضي الشهير فاسيلي أوتكين الرياضيين على مقاضاة السلطات الروسية التي قال إنها “مرتبطة وراثيا بالأجهزة الأمنية”.
وفي الوقت نفسه، استبعد محللون أن تؤثر الأزمة بشكل كبير على شعبية بوتين.
“خيانة” الرياضيين
ومن جهته، رأى دينيس فولكوف، نائب مدير شركة “ليفادا” لاستطلاعات الرأي، أن السلطات ووسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة، ستستغل الحظر على أنه خطوة جديدة من جانب الغرب لإذلال روسيا، وأن غالبية الروس سيقتنعون بذلك.
وقال فولكوف لوكالة فرانس برس “ستستخدم السلطات هذه المسألة لصالحها. كل هذا سيتم تفسيره بمعنى أن الغرب دائما ضد روسيا”.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو إذا كان الرياضيون الروس مقتنعين بذلك.
لا يبدو أن هذه الحجج ستمر مرور الكرام على بعض الرياضيين، مثل ماريا لاسيتسكيني، بطلة العالم ثلاث مرات في الوثب العالي، إذ حذرت بأنها سترحل من روسيا وتتدرب في أي مكان آخر حتى لا تفوت عليها فرصة المشاركة في أولمبياد طوكيو 2020.
وغابت ابنة الـ26 عاما عن أولمبياد ريو 2016 بسبب فضيحة التنشط الممنهج، ولا تريد أن تختبر الأمر ذاته الصيف المقبل بحسب ما شددت بالقول في حسابها على انستاغرام “لا أعتزم تفويت أولمبياد ثان على التوالي بسبب بعض الاشخاص الغريبين الذين لا يستطيعون القيام بعملهم بأمانة”. وبدوره، رأى نجم الرغبي فاسيلي أرتيمييف أن الرياضيين الروس “تعرضوا للخيانة”.
وفشل المنتخب الروسي للرجال في التأهل الى مسابقة الرغبي السباعية في أولمبياد طوكيو 2020، لكن الفرصة ما زالت قائمة أمام منتخب السيدات.
وقال أرتيمييف أن روسيا بحاجة الى تفكيك نموذجها الحالي لإدارة الرياضة وبناء نموذج جديد من الصفر، مضيفا لوكالة فرانس برس “علينا ان ننظر الى أعين بعضنا البعض ووضع خطة استراتيجية جديدة. نحن بحاجة إلى وجه جديد للرياضة الروسية ويجب أن يكون صادقا”.