سيذكر تاريخ العراق الحديث رئيس حكومة مستقلا يدعى عادل عبد المهدي، وصل إلى الحكم بديموقراطية توافقية كشخصية قادرة على الامساك بالعصا من النصف داخلياً وخارجياً في بلد كان حينها مزهواً بالنصر، وخرج خاسراً حاملاً وزر عهد انتهى دامياً بمقتل أكثر من 420 شخصاً طالبوا بحقوقهم.
يعرف رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي البالغ من العمر 77 عاماً، الذي تسلم منصبه في أكتوبر 2018، بأنه صاحب باع طويل في السياسة العراقية.
كانت أمام رجل الاقتصاد الذي ولد لعائلة شيعية في بغداد جذورها في الناصرية التي تعيش اليوم ليالي دم ونار، والعارف بدهاليز الأوساط الدبلوماسية في العراق، مهمة رسم مستقبل العراق على مدى أربع سنواتK كانت لعبد المهدي انتماءات سياسية متعددة خلال عقود معارضته في المنفى لنظام الراحل صدام حسين.
وكان من المرتقب أن يكون جسراً بين قوى عدة، من المؤيدين لإيران صاحبة النفوذ الكبير في العراق، ومن حلفاء الولايات المتحدة، وأنصار استقلال القرار السياسي للبلاد، إضافة إلى الأكراد الذين يتنازعون مع بغداد عائدات النفط، لكنه أصبح الأحد أول رئيس حكومة يترك منصبه قبل نهاية ولايته، في عراق ما بعد العام 2003.
استقال تحت ضغط المتظاهرين الذين يربطونه بفضيحة عمرها عشر سنوات، متهمين أعضاء من فريق أمنه الشخصي بارتكاب جريمة دامية في أحد مصارف بغداد، ولكن أيضا بضغط من المرجعية الشيعية الأعلى في البلاد وحلفائه من الحشد الشعبي الذين دعوا أخيراُ إلى “التغيير”.
وكان رئيس الوزراء المستقل، كما يقول منتقدوه، الحلقة الأضعف في وجه الأحزاب التي تحاول تشديد قبضتها على دولة ينخرها الفساد والمحسوبية.
إجماع وانقلاب
يقول أحد كبار المسؤولين الذين عملوا لفترة طويلة مع عبد المهدي “إنه يحب الإجماع ويكره اتخاذ قرارات جذرية”، لكن في مواجهة عشرات آلاف المتظاهرين الذين خرجوا إلى الشوارع، “كان مقتنعا بأن عليه أن يقاتل ضد انقلاب”.
ويضيف المسؤول “كان “عبد المهدي” يعلم بأنه لا يستطيع أن يكون ثورياً ” وتمسك بحلفائه السياسيين لأنه ليس لديه أي حزب أو دعم شعبي.
عرف رئيس الحكومة المستقيل السياسة على يد والده الذي كان وزيرا في عهد الملكية التي سقطت عام 1958 في العراق، فانضم في بداياته إلى حزب البعث الذي أوصل صدام حسين إلى سدة الحكم في أواخر السبعينات، وبعد ذلك، صار عبد المهدي معارضاً شرساً لنظام صدام، أولاً في صفوف الشيوعيين، ثم ب”سيف” الإسلاميين، في منفاه بين سوريا ولبنان، قبل أن يعود إلى بغداد بعد سقوطها في أعقاب الغزو الأميركي للبلاد في العام 2003.
“السلطة”
في تلك المرحلة، صار عبد المهدي قياديا بارزا في المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، وهي حركة أسسها محمد باقر الحكيم، الذي يحاول محتجون اقتحام ضريحه في النجف اليوم، كان عبد المهدي حينها رفيقاً لزعيم منظمة “بدر” هادي العامري.
بعد كل تلك التجارب، انسحب عبد المهدي من التشكيلات السياسية، وقدم نفسه كمستقل، ويقول أحد المسؤولين السابقين طالباً عدم كشف هويته إن تلك التنقلات الكثيرة في السياسة “تقول إن عبد المهدي يريد شيئاً واحداً فقط: السلطة”.
بدأ مشواره في السياسة العراقية كعضو في مجلس الحكم الموقت الذي شكلته القيادة العسكرية الأميركية بعد العام 2003، ثم اختير لفترة وجيزة وزيرا للمالية في الحكومة الانتقالية، قبل أن يصبح نائبا لرئيس الجمهورية بعد أول انتخابات متعددة الأحزاب في العراق العام 2005.
في العام 2014، عين عبد المهدي وزيرا للنفط في حكومة رئيس الوزراء آنذاك حيدر العبادي، لكنه استقال من المنصب بعد عامين، وفي 25 أكتوبر، ومع تسلمه منصبه، أكد رئيس الحكومة المستقيل الذي يتحدث الفرنسية والإنكليزية بطلاقة، أن كتاب الاستقالة “في جيبه”، لكنه لم يخرجه الا بعد شهرين من الاحتجاجات التي أسفرت عن مقتل أكثر من 420 شخصاً.